ذكاء اصطناعي

من العداء السياسي إلى المصالح المشتركة: بيزوس وترامب صديقين اليوم 🧐

فريق العمل
فريق العمل

5 د

جيف بيزوس حوّل علاقته مع ترامب من عداء علني إلى تعاون استراتيجي بهدف حماية مصالح شركاته، خاصة "بلو أوريجن" و"أمازون".

انعكس التغيير في مواقف بيزوس السياسية مباشرة على سياسة صحيفة "واشنطن بوست"، مما أثار موجة استقالات وانتقادات داخلية.

يواجه بيزوس تهديدات تنظيمية من إدارة بايدن، أبرزها الدعوى الاحتكارية التي تقودها لجنة التجارة الفيدرالية ضد "أمازون".

رغم كل التناقضات، تظل تحركات بيزوس مدفوعة بحسابات براجماتية، تجنبه العداء السياسي وتحمي مكانته في مجالات الاقتصاد والإعلام والفضاء.

في تحول مفاجئ أثار دهشة الأوساط الإعلامية والسياسية، أعاد مؤسس "أمازون" وأحد أغنى رجال العالم، جيف بيزوس، صياغة علاقته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من خصومة علنية لاذعة إلى تعاون صامت ينطوي على مصالح استراتيجية وحسابات اقتصادية دقيقة، وفق ما نشرته صحيفة فاينانشال تايمز.


مقدمة: من "جيف بوزو" إلى حليف محتمل

قبل سنوات، كان بيزوس وترامب في حالة عداء مفتوح، بلغت ذروتها عندما وصف الرئيس الأمريكي الملياردير بأنه "جيف بوزو"، واعتبر صحيفة "واشنطن بوست" التي يمتلكها أداة هجوم سياسي ضده. في أكتوبر 2019، بلغت الخلافات ذروتها حين رفعت أمازون دعوى ضد وزارة الدفاع، متهمة إدارة ترامب بحرمانها من عقد بقيمة 10 مليارات دولار بسبب نزاعه مع الصحيفة وصاحبها.

لكن المشهد تغيّر تمامًا مع بدء الولاية الثانية لترامب. في حفل تنصيبه الرئاسي، وقف بيزوس إلى جانب عمالقة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وسوندار بيتشاي، مشاركًا بدعم مالي تجاوز المليون دولار للحفل، فيما بثت "أمازون برايم فيديو" الحفل مباشرة، واستثمرت لاحقًا 40 مليون دولار في إنتاج سلسلة وثائقية عن ميلانيا ترامب – عرضٌ تجاوز بثلاثة أضعاف ما قدمته ديزني المنافسة.


دوافع بيزوس: خوف استراتيجي أم براجماتية مالية؟

وفقًا لستة مصادر مقربة من بيزوس، فإن هذا التغيير الحاد في الموقف ليس تحوّلاً أيديولوجيًا بقدر ما هو "تكتيك تجاري"، إذ تدير شركاته، وعلى رأسها "أمازون" و"بلو أوريجن"، عشرات المليارات من العقود الحكومية التي تعتمد على علاقات مستقرة مع واشنطن. ويبدو أن بيزوس، الذي يعتبر "بلو أوريجن" مشروعه الشغوف لغزو الفضاء، يخشى من أن يتحد أقوى رجل سياسي مع أغنى رجل في العالم – إيلون ماسك – فيضعف فرص شركته في الفوز بالعقود الفضائية، لا سيما مع اقتراب مهمة الهبوط على القمر في 2029.

وقال أحد مستشاريه السابقين:


"إذا تحالف ترامب وماسك، فإن مستقبل بلو أوريجن قد يتبخر"،

وأضاف أن المشروع يعتمد كليًا على العقود الحكومية، وبدونها "ستغرق بلو في المياه الراكدة".


انقلاب في "واشنطن بوست": صدمة في غرفة الأخبار

تجلّى هذا التحول السياسي أيضًا في غرفة تحرير "واشنطن بوست"، إذ أوقف بيزوس دعم الصحيفة للمرشحة كامالا هاريس، ووجه قسم الآراء لنشر مقالات فقط عن "الحريات الفردية والأسواق الحرة"، وهو ما اعتبره بعض الصحفيين خيانة لروح الصحيفة التي ارتبطت تاريخيًا بكشف فضيحة "ووترغيت".

محرر الصحيفة السابق، مارتي بارون، صرّح:


"قيل ذات مرة إن بيزوس لم يدفع 250 مليون دولار لشراء الصحيفة، بل دفع 10 مليارات خسرها بسببها"،

مشيرًا إلى أن العداء مع ترامب كلّف أمازون عقد "JEDI" الشهير.

الصحيفة التي كانت رمزًا لمقاومة ترامب في ولايته الأولى باتت الآن تعاني من تراجع الاشتراكات وخسائر مالية فادحة. وقدّم كبار الصحفيين استقالاتهم، مثل روث ماركوس التي انسحبت بعد حذف مقالها النقدي بشأن سياسة بيزوس التحريرية الجديدة، قائلة: "الصحيفة التي أحببتها لم تعد هي نفسها".


علاقات اجتماعية... وصفقات غير بريئة

لا يقتصر تقارب بيزوس مع ترامب على الجانب السياسي أو الاقتصادي فقط، بل امتد إلى المستوى الاجتماعي. ففي 2020، أقام بيزوس حفلة خاصة بحي كالوراما الراقي، دعا إليها إيفانكا ترامب وجاريد كوشنر، كما حضرا حفلًا آخر له في "أسبن". بل إن أحد المقربين من بيزوس وصف صفقة وثائقي ميلانيا بأنها "صفقة براغماتية واضحة لشراء ود العائلة".

رغم ذلك، لا يعترف بيزوس علنًا بأنه يناور لحماية مصالحه. ويؤكد أحد مساعديه:


"جيف لا يتخذ قراراته بدافع الخوف، ولا يساير أحدًا. من يظن أن تصرفاته محض محاولة لكسب رضا الرئيس لا يعرف من هو بيزوس حقًا".


من رمزية الصحافة إلى قوة المال

عندما اشترى بيزوس "واشنطن بوست" عام 2013، كان الهدف إنقاذها من التدهور المالي وإعادتها إلى صدارة الصحافة الأمريكية. وبالفعل، نمت الصحيفة خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، وتضاعف طاقمها السياسي، وتم تبنّي شعار جديد اقترحه بيزوس بنفسه: "الديمقراطية تموت في الظلام".

لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا حادًا. يقول أحد التنفيذيين السابقين:


"في البداية، كان مرتاحًا لخسارة 20 مليون دولار سنويًا، أما الآن ومع الخسائر التي تتجاوز 100 مليون، فالمعادلة تبدلت"

ويضيف أن بيزوس، خلافًا لعائلة غراهام أو السولتزبرغر، لا يرى الصحيفة كـ"رسالة نضالية"، بل مشروعًا تجاريًا يجب أن يحقق نتائج.


عدو الأمس.. صديق اليوم؟

في مقابلة تلفزيونية حديثة، قال ترامب: "تعرفت على بيزوس، وأعتقد أنه يحاول القيام بعمل جيد في 'واشنطن بوست'، وهو ما لم يكن يحدث سابقًا"، مما يعكس حالة من الارتياح بين الطرفين كانت مستبعدة حتى وقت قريب.

كما أن بيزوس نفسه، في مقابلة ديسمبر الماضي، وصف ترامب بأنه "أكثر هدوءًا وثقة من ولايته الأولى"، معترفًا ضمنيًا بتغير نظرته إليه.


بين ترامب وبايدن... من الأوثق للمصالح؟

إضافة إلى الخلافات السابقة مع ترامب، يشعر بيزوس بإحباط متزايد من تعامل الديمقراطيين، خاصة في عهد بايدن، مع شركات التكنولوجيا الكبرى. ويبدو أن معاركه مع لجنة التجارة الفيدرالية بقيادة لينا خان، التي كانت من أبرز المنتقدين لأمازون، ساهمت في رغبته بالابتعاد عن هذا المعسكر السياسي.

وقد رفعت اللجنة في عهد خان دعوى تاريخية ضد أمازون بتهمة الاحتكار، ومن المقرر أن تبدأ المحاكمة في أكتوبر 2026. ويقول محللون إن علاقة بيزوس الجديدة مع ترامب قد تكون وسيلة لتخفيف الضغط القانوني عليه وعلى شركته.


من يملك السلطة، يرسم المسار

ذو صلة

جيف بيزوس لم يعد ذلك الملياردير المنعزل عن السياسة كما كان في بدايات "أمازون". أصبح اليوم رجلًا يدير إمبراطورية تتشابك مصالحها مع البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون ووكالات الفضاء.

ربما لا يكون انقلابه المفاجئ حبًا في ترامب، بل خشيةً من قوته وسعيًا لحماية مصالحه من تهديدات محتملة. لكن الأكيد أن بيزوس، بصفقاته المحسوبة، يعيد رسم خريطة العلاقة بين السلطة والمال والإعلام في أمريكا الحديثة.

ذو صلة