ذكاء اصطناعي

ناسا تكشف سر العاصفة الشمسية المفاجئة: ثقب إكليلي غيّر كل التوقعات

محمد كمال
محمد كمال

4 د

العاصفة الشمسية في أبريل 2023 أشعلت سماء تكساس بشفق قطبي مدهش.

تسبب ثقب إكليلي في تحويل مسار العاصفة الشمسية مباشرة نحو الأرض.

انخفاض الحرارة بشكل غير مسبوق أثر على الأقمار الاصطناعية والحطام الفضائي.

تقنية GeoCME تستهدف توقع تأثيرات العواصف الشمسية بدقة أكبر.

البحث الجديد يعزز أهمية الرصد القريب للشمس بتحذيرات أسرع وأدق.

نادرةٌ وقوية كانت تلك العاصفة الشمسية التي أربكت العلماء في أبريل 2023، حينما أضاءت سماء جنوب تكساس بألوانٍ زاهية من الشفق القطبي. حدثٌ لم يكن متوقعاً بكل هذه القوة - وهو ما دفع وكالة ناسا لمعرفة الأسباب الكامنة خلف هذه المفاجأة الكونية.

عندما انطلقت تلك العاصفة من الشمس، أثارت موجات من الجسيمات النشطة والمجالات المغناطيسية هطلت نحو الأرض في شكل "انبعاث كتلي إكليلي CME"، مصطلح تقني يصف سحابة ضخمة من المواد الشمسية تتدفق بسرعة نحو كوكبنا. الغريب إن هذه السحابة التي ضربت الأرض جاءت بعد توهج شمسي ضعيف نسبياً، ولذلك كان المتوقع أن يكون تأثيرها محدوداً، لكنها أثبتت قوة استثنائية، الأمر الذي أثار حيرة العلماء.

لكن ما السر وراء هذه القوة غير المتوقعة؟ تشير دراسة حديثة نشرها فريق من الباحثين بقيادة إيفانجيلوس باوريس في جامعة جونز هوبكنز إلى أن السبب كان في توجيه الموجة الشمسية نحو الأرض بطريقة غير متوقعة. فقد اكتشف العلماء وجود ثقب إكليلي كبير بالقرب من نقطة انطلاق CME. الثقوب الإكليلية هي مناطق مفتوحة على الشمس تسمح بتدفق الرياح الشمسية بسرعة عالية، مما يشبه تياراً هوائياً يدفع بمسار الانبعاث الكتلي بشكل مختلف. هذه الرياح السريعة تحول مسار السحابة الشمسية قليلاً إلى مدار الأرض بشكل مباشر، فتصبح أكثر قدرة على التفاعل والتشابك مع المجال المغناطيسي لكوكبنا، وهو ما يجعل العاصفة أكثر شدة.


ارتفاع الحرارة ثم انخفاض مفاجئ فوق الأرض

وكشفت مهمة GOLD التابعة لناسا، المتخصصة في رصد الطبقة العليا من الغلاف الجوي، تفاصيل مثيرة للاهتمام حول هذا الحدث. فقد رصدت المركبة ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة في طبقة الثيرموسفير – تلك الطبقة العليا من الغلاف الجوي التي تمتد من 85 إلى 120 ميلاً فوق سطح الكوكب. وحدث التالي بشكل مفاجئ للغاية؛ بعد انتهاء نشاط العاصفة الشمسية، استجاب الغلاف الجوي بشكل فريد من خلال هبوط حاد في درجات الحرارة، انخفاضٌ لم يتم تسجيله من قبل بهذه الدرجة. ويعلق شوغوانغ كاي من جامعة كولورادو، المشرف على هذا البحث، بأن انخفاض الحرارة هذا يؤثر بشكل مباشر على الأقمار الاصطناعية والحطام الفضائي، حيث تقل كثافة الهواء وبالتالي ينخفض تأثير المقاومة على الأقمار، ما يؤدي إلى بقائها في المدار لفترات أطول، مع زيادة محتملة في مخاطر التصادمات.

هذا الكشف الأخير عن تأثيرات العواصف الشمسية الحرارية لم يكن مجرد اهتمام بحثي نظري؛ بل له تطبيقات حيوية في حماية بنيتنا التحتية الفضائية. فالأقمار الصناعية وأنظمة تحديد المواقع وشبكات الاتصالات تتأثر بشكل كبير بأي نشاط شمسي عنيف، ما يمثل تهديداً جاداً إذا لم يكن بالإمكان التنبؤ بهذه الأحداث بشكل دقيق مسبقاً.

وهذا بالفعل ما تسعى ناسا لتحقيقه حالياً باستخدام تقنية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي تحمل اسم GeoCME. هذه التقنية قادرة على تحليل الصور الناتجة عن مرصد SOHO التابع لناسا، من أجل التنبؤ الدقيق بنتائج وأثر الانبعاثات الكتلية الإكليلية. وقد أثبتت التجارب الأولية نجاحاً ملحوظاً، إذ تمكن نموذج الذكاء الاصطناعي من توقع تأثير 21 عاصفة شمسية بشكل سليم، مقدماً خطوة كبيرة نحو حماية أدق للبنية التحتية الحيوية للكوكب.

وكانت عاصفة شهر مايو 2024 الشمسية، التي اعتبرت أقوى عاصفة جيومغناطيسية تعصف بكوكب الأرض لأكثر من عقدين من الزمن، اختباراً حقيقياً لمدى استعدادنا لهذه الظواهر المتطرفة. خلالها، لعبت المركبة الفضائية STEREO دوراً حيوياً في قياس قوة ونوع المجالات المغناطيسية المرتبطة بالعاصفة أثناء مرورها تجاه الأرض. وما لوحظ من خلال مهمة STEREO كان مفاجأة كبيرة في حد ذاته: إذ وُجد أنه لو تم وضع المركبة في مكان أقرب إلى الشمس من نقطة L1 (وهي المنطقة التقليدية لرصد الشمس القريبة من الأرض)، لأمكننا الحصول على تحذير مبكّر بأكثر من ساعتين، وهذا يمنح فرصة ثمينة لاتخاذ الاحتياطات اللازمة.

ذو صلة

لقد أوضح هذا البحث، الذي نُشر في مجلة Space Weather العلمية، أن المراقبة من نقاط أقرب للشمس تقدم إنذاراً أسرع وأكثر دقة بالعواصف الشمسية المدمرة، مما يتيح اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب للحفاظ على أنظمة الاتصالات والملاحة ومكونات البنية التحتية الحيوية الأخرى بأمان.

هذا الاكتشاف لا يمثل فقط خطوة نحو فهمنا الأعمق للظواهر الطبيعية التي تؤثر بشكل مباشر في حياتنا، بل يعزز الحاجة لمزيد من الاستثمار في تقنيات الرصد المبكر والاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي. وبفضل مثل هذه التطورات، أصبحنا قادرين على مواجهة تحديات الفضاء بشكل أفضل من أي وقت مضى. ربما في المستقبل، نتمكن من تطوير تقنيات أكثر ذكاء لجعل تحذيراتنا المبكرة أكثر فاعلية وأشد دقة وحماية كوكبنا والنشاط البشري من الأضرار الجسيمة نتيجة أي عواصف شمسية قادمة.

ذو صلة