نوع جديد من الزلازل من صنع البشر! هل هو اكتشاف علمي أم كارثة بيئية جديدة!؟

4 د
كشف العلماء عن نوع جديد من الزلازل الناتجة عن التكسير الهيدروليكي في كندا.
تتميز الزلازل الهجينة بالذبذبات التي تستمر لفترة أطول وتتحرك ببطء.
السوائل المحقونة قد تسبب انزلاقًا زلزاليًا صامتًا يغير الإجهادات في باطن الأرض.
الاكتشاف يساعد في تحسين تقنيات استخراج النفط والغاز للحد من الزلازل الكبيرة.
التقنيات الجديدة تلعب دورًا في رصد الزلازل الهجينة والحد من آثارها المحتملة.
هل كنت تتوقع يومًا أن البشر قادرون على إحداث نوع جديد تمامًا من الزلازل لم نكن نعرفه من قبل؟! قد يبدو هذا مستغربًا، لكن هذا بالضبط ما كشفته دراسة علمية حديثة نشرت نتائجها مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز".
كشف فريق من الباحثين في كندا وألمانيا عن نوع مختلف من الزلازل، تظهر تحديدًا في غرب كندا أثناء عمليات استخراج النفط والغاز بوساطة التكسير الهيدروليكي (المعروف بالفرَاكينج). هذه الزلازل التي تم تسجيلها في منطقة "مونتني شيل" الكندية أثارت اهتماماً كبيراً في الأوساط العلمية، إذ ظهر أنها تتحرك بشكل أبطأ وتستمر فترة أطول من الزلازل الطبيعية الاعتيادية التي نعرفها.
هدوء غير مألوف.. وأسلوب مختلف في الاهتزاز
يفسر الباحثون هذه الظاهرة بأنها ترتبط بـ "الانزلاق الزلزالي الهادئ"، والمعروف علميًا بـ "Aseismic slip"، وهو انزلاق خافت لا يولّد هزات قوية محسوسة عادة. والفارق المثير هنا أن مثل هذه الأحداث تنتقل ببطء وربما دون أن يلاحظها أحد بسهولة، لكنها ذات أهمية كبيرة لأنها قد تمثل نذيرًا مسبقًا لحصول زلازل أكبر وأكثر خطورة.
ولتسجيل هذه الأنشطة، استعان الباحثون بشبكة مكثفة من أجهزة قياس الزلازل المنتشرة حول آبار النفط التي تُجرى فيها عمليات الفرَاكينج. سجلوا حوالي 350 هزة أرضية، لاحظوا أن حوالي 10% كانت مميزة جدًا، إذ استمرت لفترة أطول بكثير من المعتاد، وأنتجت ذبذبات مختلفة عن الزلازل التي نعرفها.
وقد أطلق الباحثون على هذه الزلازل الجديدة اسم "زلازل هجينة الذبذبات" (EHWs). إذ تبدأ الموجة بشكل متسع ومتدرج، ثم تستمر في الهبوط تدريجيًا مع قدر أقل من الترددات العالية، بطريقة تُشبه الاهتزازات التي تُرصد في المناطق البركانية، وهو ما يختلف كلياً عن الهزة التقليدية ذات السرعة العالية والنهاية السريعة.
وتعليقًا على هذا، أوضحت البروفيسورة ريبيكا هارينجتون، من جامعة الرور-بوخوم الألمانية، أن "هذا يخالف كل ما توقعناه سابقًا بأن الزلازل الناتجة عن التدخل البشري تتصرف كالزلازل الطبيعية السريعة".
ومن اللافت، في أحد الأمثلة التي ذكرتها الدراسة، استمرت هزة من نوع EHW بقوة مقدارها 1.5 درجة لأكثر من عشر ثوانٍ، مقارنة بسبع ثوانٍ فقط لزلزال تقليدي بنفس القوة. وهذا ما دفع العلماء لطرح السؤال: "ما الذي يجعل هذه الزلازل مختلفة بشكل جوهري؟"
وهنا يأتي دور فهمنا لآلية حدوث الزلازل بفعل الإنسان. ففي السابق، كان يعتقد العلماء أن عمليات ضخ السوائل لاستخراج النفط إما تخلق كسورًا جديدة أو تفتح الصدوع الموجودة عن طريق زيادة الضغط، وفي الحالين يكون التحرك سريعاً وذا طاقة عالية.
لكن ما حدث في هذه الزلازل الهجينة يغير هذه الفرضيات. إذ يعتقد العلماء الآن أن السوائل قد تتحرك ببطء دون أن تخلق مباشرة هزة قوية، وهو ما يسمى "الانزلاق الصامت". هذا الانزلاق البطيء يغيّر من توزيع الإجهادات في باطن الأرض، ما يجعل بعض الصدوع القريبة تتحرك لاحقًا بشكل واضح وظاهر على شكل زلزال كبير محسوس.
أهمية كبيرة ومستقبل أكثر أمانًا
هذا الكشف المثير قد يغير قواعد لعبة استخراج النفط والغاز، لأن معرفة وجود هذا النوع من الانزلاقات مسبقًا يعطي العلماء والمؤسسات العاملة في المجال فرصة تعديل تقنياتهم وتفادي تحريك الزلازل الكبيرة التي قد تسبب أضرارًا.
يؤكد فريق البحث أن رصد هذه الإشارات الخافتة في الوقت المناسب سيسمح باتخاذ إجراءات أكثر احتياطًا ودقة. ويضيف العلماء أن تكنولوجيا القياس الحساسة التي استخدموها هي مفتاح مهم لاكتشاف ومتابعة مثل هذه الظواهر المجهولة سابقًا بوضوح أكبر من أي وقت مضى.
وبينما تستمر عمليات الفرَاكينج بالتوسع، يزداد القلق من الزلازل القوية التي قد تتسبب بها هذه العمليات، لاسيما وأن المنطقة المستهدفة بالدراسة، "حوض غرب كندا الرسوبي"، شهدت مسبقًا زلازل تصل شدتها إلى 4.5 درجة أو أكثر. ما يعني أن الاكتشاف الجديد هذا لديه القدرة على تأمين فهم أفضل للمخاطر الزلزالية، وربما تفاديها مستقبلًا.
من ناحية أخرى، فإن توضيح دور الانزلاقات الهادئة قد يلقي مزيدًا من الضوء على أسباب الاضطرابات الزلزالية غير المتوافقة مع الحسابات التقليدية للضغوط وعدد الزلازل وقوتها مقارنة بكميات السوائل المحقونة.
يشير الباحثون إلى أنه على الحكومات والشركات العاملة في هذا المجال أن تأخذ في اعتبارها الابتكارات التقنية الجديدة، التي قد تمكننا قريبًا من رصد هذه الزلازل الهجينة مبكراً، والحد بالتالي من آثارها السلبية.
وهكذا نرى اليوم أن أبحاث الزلازل لم تعد تقتصر على دراسة غضب الطبيعة فحسب، بل أصبحت أيضًا مهتمة بتأثير البشر وكيفية إدارة موارد الطاقة بأمان واستدامة أكثر. خطوة جديدة في فهمنا لكوكبنا، وقد تساعدنا على تجنب مخاطر مستقبلية أكبر.