ذكاء اصطناعي

هل أباد الطاعون مدينة الشمس؟ سر اختفاء أخيتاتون يخرج إلى النور

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أظهرت الأبحاث الحديثة أن مدينة إخِتْآتِن لم يَكُن سبب هجرها وباء مدمر.

تُشير الدلائل إلى أن إخناتون أحدث ثورة دينية بتوحيد عبادة إله الشمس.

منهجية الدفن المنتظمة تشير إلى أن سبب فناء المدينة لم يكن مفاجئًا.

تكشف الوثائق أن هجرة المدينة كانت تدريجية وليست بسبب "موجة موت".

يمكن أن تكون الأسباب وراء هجر المدينة سياسية أو دينية.

لطالما حامت الأساطير حول اختفاء مدينة إخِتْآتِن، العاصمة التي أنشأها الفرعون إخناتون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، والتي لم تعمّر سوى عقدين من الزمن قبل أن تُهجر فجأة. لكن أبحاثاً حديثة تكسر الصورة النمطية القديمة التي ترجّح أن وباءً مدمراً قضى على المدينة وسكانها، وتقدّم سيناريو مختلفاً أكثر واقعية وأقل درامية.

يشير علماء الآثار إلى أن إخناتون، الملقب سابقاً بأمنحتب الرابع، أحدث ثورة دينية غير مسبوقة حين تخلى عن عبادة آلهة مصر التقليدية، وجعل عبادة “آتون” إله الشمس الدين الوحيد في المملكة. ومن أجل تجسيد هذا التحول العقائدي، شيّد مدينة جديدة في قلب الصحراء سُمّيت إخِتْآتِن، لتكون رمزاً لعهد روحاني جديد.

بعد وفاة إخناتون بفترة وجيزة، بدأ نجم العاصمة يخبو، فخلاها الناس تاركين وراءهم صروحاً مذهلة، وهو ما أطلق العنان لافتراض أن الوباء هو السبب.
وهنا تتقاطع القصة القديمة مع الاكتشافات الحديثة التي قادتها الدكتورة غريتشن دابز والدكتورة آنا ستيفنز؛ إذ وضعت أبحاثهما الميدانية فرضية “الطاعون” تحت المجهر.


أدلة مادية تُغَيّر السرد التاريخي

انطلقت البعثة الأثرية لدراسة المقابر المحيطة بالمدينة: مقبرة المقابر الجنوبية، والمنحدرات الشمالية، والصحراء الشمالية، ومقابر النبلاء. بعد تحليل نحو 889 مدفناً من أصل أكثر من 11 ألف جثمان مدفون، لم يجد العلماء مؤشرات وبائية جماعية. صحيح أن الهياكل العظمية أظهرت علامات إجهاد جسدي وسوء تغذية، لكن تلك العلامات تعكس مشاق الحياة اليومية لا أعراض مرض معدٍ انتشر بسرعة.

وبينما كانت بعض المقابر تضم أكثر من شخص واحد، لم تشر طريقة الدفن إلى استعجال أو دفن جماعي، بل إلى إقامة شعائر دفن منظمة وهادئة. وهذا يربط بين منهجية الدفن المنتظمة وفكرة أن خروج سكان إخِتْآتِن لم يكن هروباً اضطرارياً.


المدينة التي رحلت بهدوء

تكشف دراسة أنماط الدفن وحالة العظام أن المجتمع عاش معدلات حياة طبيعية نسبياً حتى لحظة التراجع، من دون دلائل على “موجة موت” مفاجئة. كما تُظهر الوثائق أن مغادرة المدينة كانت تدريجية، فقد حمل الناس ممتلكاتهم وتركوا منازلهم بانتظام لا على عجل، ما يوحي بأن الأسباب كانت سياسية أو دينية أكثر من كونها صحية.

وهذا يربط التحول الديني الكبير في عهد إخناتون بالاضطرابات التي تبعته بعد وفاته، حين سعى خلفاؤه إلى استعادة النظام الديني القديم، فربما كان قرار إخلاء المدينة جزءاً من حملة لمحو آثار “الهرطقة” التي مثّلها الإصلاح الآتوني.


بين الأسطورة والحقيقة

ذو صلة

يتضح اليوم أن حكاية “الطاعون” التي نسجها المؤرخون القدماء استندت بالأساس إلى رسائل وأخبار عن أوبئة ضربت مدن الشام والأناضول المجاورتين كجبيل ومجدو، من دون أي إشارة إلى إصابة إخِتْآتِن نفسها. من هنا تكتسب نتائج الدراسة أهميتها، إذ تنقض تلك الفرضية وتفتح الباب أمام تفسير أكثر دقة لاعتماد إخناتون ديناً أحادياً أثار سخط النخبة والكهنة.

وفي النهاية، تُعيد هذه الاكتشافات رسم صورة إخِتْآتِن لا كمدينة قضت عليها لعنة الطاعون، بل كرمز لتجربة دينية غير مكتملة طواها التاريخ بهدوء. إنها قصة مدينة ولدت من نور الشمس وماتت في صمت الصحراء.

ذو صلة