ذكاء اصطناعي

هل تتعمد حيتان الأوركا مهاجمة البشر!؟ ذكاء الأوركا الخارق تحت المجهر

محمد كمال
محمد كمال

4 د

تَشهد الأوركا موجة هجمات منسقة على قوارب قبالة سواحل إيبيريا.

تُظهر دراسات أن هجمات الأوركا قد ترتبط بالتعلم الجماعي والرد على الصيد الصناعي.

تمتلك الأوركا دماغًا كبيرًا ومعقدًا، مما يعزز قدراتها على التخطيط والتواصل.

الأوركا تبرز بقدراتها الصيد التعاوني ونظام التواصل اللغوي الفريد.

الوعي بذكاء الأوركا يُلقي الضوء على ضرورة الحفاظ عليها والبيئة البحرية.

منذ فترة قريبة، شهدنا موجة غير مسبوقة من الهجمات المنسقة التي نفذتها حيتان الأوركا على قوارب الصيد قبالة سواحل شبه الجزيرة الإيبيرية وصولاً إلى اسكتلندا، ومنذ يومين ظهرت بعض التقارير التي تفيد مهاجمة أحد حيتان الأوركا لمدربته.

هذا المشهد الغريب دفع كثيرين للتساؤل: هل أصبحت هذه الكائنات البحرية المدهشة أكثر من مجرد مفترسات؟ وماذا نعرف فعلاً عن قدراتها الذهنية؟

تُعد الأوركا، التي تُسمى أحيانًا بـ"الحيتان القاتلة"، من أذكى الحيوانات على سطح الأرض، إذ تستطيع التفكير المعقد، حل المشكلات، والتواصل الاجتماعي ضمن مجموعات تعرف باسم "القطعان". وتذهب بعض الدراسات إلى أن تزايد هجماتها على القوارب ينبع من قدرتها على التعلم الجماعي وتعليم أفرادها أساليب جديدة للتعامل مع البشر والصيادين. لهذا ليس من المستغرب أن تبدأ التساؤلات حول ما إذا كانت الأوركا تتصرف بنوع من التمرد أو الرد الانتقامي على ضغوط ومخاطر الصيد الصناعي.


ذكاء الأوركا: ما وراء الحجم الكبير

ارتباط هذه الهجمات بسلوك ذكاء معقد، يقودنا إلى التساؤل عن طبيعة عقل الأوركا. في الواقع، دماغ الأوركا يفوق حجم دماغ الإنسان بما لا يقل عن خمسة أضعاف، ويمتاز بتعقيدات طياته، مما يتيح لها قدرات معالجة متقدمة جداً. هذه البنية العصبية المتطورة تمنح الحيتان القاتلة طيفًا هائلًا من الإمكانيات، من بينها التعلم السريع - سواء من أفراد القطيع أو البشر أنفسهم - والتقليد، واستخدام الإشارات الصوتية المعقدة.

وبالحديث عن هذه القدرات، تبرع الأوركا في صيد الفرائس بشكل تعاوني مذهل، مستخدمة الصدى الصوتي لتحدد موقع هدفها بدقة. نظام التواصل بينها أيضًا فريد من نوعه، حيث تملك كل مجموعة لهجتها الخاصة وإشاراتها الصوتية التي قد تكون مميزة كما هو الفارق بين اللغات البشرية مثل الإنجليزية واليابانية، مما يدل على وجود تقاليد وثقافة داخلية بين المجموعات.

هذا التشابك بين الذكاء والتواصل الجماعي، يجعل من المنطقي الربط بين السلوكيات الجديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة وبين التطور الثقافي والاجتماعي للأوركا، فكل إشارة تصدر عن القطيع قد تعني بدء تقليد جديد ينتشر بين الأفراد بسرعة لافتة.


المشاعر والعلاقات الاجتماعية: الأوركا ليست مجرد صياد بارع

وليس الذكاء وحده ما يميز الأوركا، فهناك أدلة متزايدة على امتلاكها مشاعر معقدة تشبه كثيرًا ما نعرفه كبشر. لقد سجل العلماء حالات حزن عند فقدان أحد أفراد القطيع، وكذلك أشكالًا من الرعاية والرابطة العميقة بين الإناث وأفراد الأسرة. هذه المشاعر ليست فقط دليلاً على تطور عاطفي، بل تدعم فكرة أن الأوركا تتخذ قراراتها أحيانًا بناء على الارتباطات الاجتماعية والتجارب الجماعية.

ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن كل تصرف غريب أو هجوم جديد على قارب قد يكون له دوافع أعمق، ربما كشكل من أشكال التعبير أو كرسالة اجتماعية متوارثة بين الأجيال. استمرار دراسة هذه السلوكيات يمنح العلماء والمتابعين فهماً أوسع بكثير لطبيعة “عقل” الأوركا وهويتها الاجتماعية.

وهكذا نعود إلى السؤال المطروح بشأن ما إذا كانت هذه الحيتان “تنتقم” حقًا من البشر. من المعروف أن التفاعل بين البشر والحياة البرية غالبًا ما يكون له عواقب غير متوقعة. تضرر الأوركا من أنشطة الصيد، كالتلوث الصوتي وفقدان الفرائس والتشابك في الشباك، قد يلعب دورًا أساسيًا في تدوير أنماط السلوك ومشاركتها بين القطعان.


الأوركا مقارنة بالحيوانات الأخرى: أين تقف على سلم الذكاء؟

في هذا السياق، يجدر الإشارة إلى أن مقارنة ذكاء الكائنات الحية ليست بالأمر البسيط. الأوركا تتفوق على كلابنا المنزلية بل وحتى أسماك القرش من حيث التعقيد الذهني، خصوصًا في ما يتعلق بالتخطيط الجماعي وفهم نوايا الآخرين، وهي ميزة تعرف في علم النفس باسم “نظرية العقل”. ولكن بالمقابل ما تزال الدلافين ذات الأنف القنيني تحتفظ بسمعة "أذكى الثدييات البحرية" بسبب ذاكرتها المتفوقة حتى على الأوركا.

ولا شك أن استمرار البحث العلمي سيكشف المزيد من أسرار قدرات هذه الثدييات البحرية. حتى الآن، لم ينجح أحد في وضع مقياس نهائي واضح لترتيب ذكاء الحيوانات، لأننا في كل مرة نكتشف مشاهد جديدة تثبت أن هناك دائمًا مجال للمفاجآت.


الحاجة إلى فهم أعمق ودعوة للحفاظ على الأوركا

ذو صلة

بينما تلفت هجمات الحيتان القاتلة الأنظار إلى غرابة الظاهرة، يجب ألا نغفل دور الإنسان في اضطراب النظام البيئي. الهجمات قد تكون أيضاً طريقة لفت انتباه للعالم حول التغيرات المفاجئة في أعداد الأسماك، أو حتى تعبيرًا عن ضيق بسبب الضوضاء أو الأخطار الناتجة عن الصيد الكثيف. وفي النهاية، تظل الأوركا حيوانًا اجتماعيًا ذكيًا جديرًا بتأمل أعمق، وربما تحتاج منا مزيدًا من الانتباه والحماية.

خلاصة القول، قدرات الأوركا المعرفية مذهلة بحق وتستحق أن نعيد التفكير في تعاملنا مع هذه الكائنات والبيئة المحيطة بها.

ذو صلة