هل تستطيع الحيوانات فعلاً العد وإجراء عمليات حسابية بسيطة؟

4 د
تمتلك بعض الحيوانات قدرات على العد والتمييز بين الكميات المختلفة.
تساعد هذه القدرات الحيوانات في البقاء والحصول على الغذاء.
أظهرت دراسات أن النحل والعناكب والضفادع تمتلك حاسة عددية.
تعتمد الحيوانات على "النظام العددي التقريبي" للتفريق بين الكميات.
لا تزال القدرات الرياضية المتقدمة تختص بالإنسان فقط.
هل سبق لك أن تساءلت وأنت تراقب النحل يدور حول الأزهار، أو سمعت عن ببغاء يتحدث ويفكر، هل تمتلك هذه الحيوانات القدرة على العد أو القيام بعمليات رياضية بسيطة مثل تلك التي يتعلمها البشر في المدرسة؟
قد تبدو الفكرة غريبة، أو ربما حتى مضحكة بعض الشيء، لكنك ستتفاجأ إذا علمت أن هناك بالفعل عدداً من الحيوانات يمتلك نوعاً من الإدراك الكمي، أو ما يسميه العلماء "الحاسة العددية". ورغم أن قدراتهم تختلف بالتأكيد عن طريقتنا نحن البشر، فقد أظهرت دراسات حديثة أن بعض الحيوانات قادرة على تمييز الكميات وتتبع تغيراتها.
قدرات مذهلة تكشفها تجارب العلماء
ذكر البروفيسور مايكل بيران، أستاذ علم النفس في جامعة ولاية جورجيا، أن الكثير من الكائنات - من الحشرات والطيور إلى اللبائن البرية والبحرية والمخلوقات البحرية - تستطيع التمييز بين الكميات المختلفة. وتمنح هذه القدرة على التعرف على الكميات الحيوانات ميزة تطورية تساعدها على البقاء والحصول على طعام أفضل، وبالتالي زيادة احتمالات تمرير جيناتها.
أحد الأمثلة الممتعة على ذلك هو النحل الذي يستطيع تعداد المعالم في طريقه حين يتجه نحو الأزهار التي تحتوي على الرحيق، أو عناكب "النساج الذهبي" التي تحصي الحشرات العالقة في شباكها. كذلك، لوحظ أن الضفادع الاستوائية "تونغارا" تمارس تحدياً عددياً مثيراً عندما تتنافس على جذب الإناث، فيحاول كل ضفدع التفوق على منافسه بإصدار عدد أكبر من الأصوات المتتابعة.
وهذه القدرات لم تقتصر على الكائنات الصغيرة فحسب، بل ظهرت أيضاً في الحيوانات الكبيرة مثل اللبؤات التي تقدر حجم العدو بالاستماع إلى عدد الزئير القادم من مجموعة أسود منافسة، أو الغربان التي أظهرت قدرتها المثيرة على إصدار أصوات محددة العدد استجابة لمؤشرات بصرية أو سمعية، الأمر الذي أثار إعجاب الباحثين بشدة في عام 2024.
لكن قبل أن نظن بأن الحيوانات تمتلك آلة حاسبة في عقولها، يؤكد بيران أن هذه القدرات ليست "حساباً" بالشكل المعتاد لدينا كبشر، بل هي قدرة على تحديد الكميات بسرعة وبدقة نسبية.
وهذا ينتقل بنا للحديث عن آلية عمل هذه القدرات المبهرة في عالم الحيوانات.
فهم "النظام العددي التقريبي"
أطلق البروفيسور جيورجيو فالوريتيجارا، أستاذ العلوم العصبية في جامعة ترينتو بإيطاليا، على هذه القدرة مسمى "النظام العددي التقريبي" أو ANS. ويعتمد هذا النظام على خلايا عصبية متخصصة تُظهر رد فعل أقوى تجاه كميات معينة، وتم اكتشاف هذه الخلايا حتى في صغار الدجاج حديثة الفقس، مما يشير إلى أنها قد تكون قدرة فطرية وراثية لدى الحيوانات.
لنفهمها أكثر، تتجلى هذه القدرة بوضوح عندما تقارن الحيوانات بين كميتين، مثل 4 مقابل 2 أو 10 مقابل 5، ويلاحظ العلماء أن الحيوانات تجد سهولة في المقارنة عندما تكون الأرقام صغيرة أو البعد بين الأرقام كبيراً. وترتبط هذه الظاهرة بنفس القاعدة المعروفة بـ "قانون فيبر"، التي توضح أن التمييز بين الكميات يعتمد على النسب وليس على الأعداد المطلقة.
ومع ذلك، ما يسميه الإنسان "الحساب" يختلف عما تفعله الحيوانات. لأن العدّ بشكله الدقيق عند البشر يتطلب إدراك أن العدد "ستة" يعني ستة أشياء بدقة، سواء كانت تفاحاً، أقلاماً أو حجارة. وهذا الإدراك يتطلب سنوات من التدريب والتعليم، ولم يتمكن من بلوغه سوى عدد قليل جداً من الحيوانات مثل الببغاء المشهور "أليكس" وبعض الشمبانزي المميزين كـ "شيبا" و"آي"، الذين أتقنوا التعرف على الأرقام وتمييز ترتيبها.
حسابات بسيطة قامت بها كائنات غير متوقعة!
يبدو أن الأمر لا يتوقف عند الحس العددي فقط، فالتجارب أظهرت أن حيوانات مثل الببغاوات الرمادية الإفريقية وبعض الحمام والقرود، بل وحتى النحل وسمك السيكليد واللخمة البحرية، استطاعت أن تتعلم قواعد بسيطة للجمع أو الطرح على نطاق محدود من الكميات، من خلال ربط رموز لونية أو أشكال معينة بعمليات حسابية بسيطة.
ولكن يجب ألا نبالغ بالأمر، فلا يزال من الصعب جداً على الحيوانات التعامل مع الأرقام الكبيرة أو حل الحسابات المعقدة التي نمارسها في المدارس، كالضرب والقسمة أو المعادلات ذات المجهولات. فهذه القدرات المتقدمة لا تزال ملكاً لقدرات الإنسان وحده.
في نهاية الأمر، مع أن الحيوانات لم تتطور لديها الرياضيات بشكلها الرسمي الذي نعرفه، والتي تعتبر اختراعاً ثقافياً إنسانياً حديثاً ناتجاً عن الحاجة إلى حسابات أدق بسبب الأنشطة الزراعية والرعوية القديمة، إلا أن قدرات الحيوانات على التمييز العددي تثير الاهتمام وتزيد فهمنا لإمكانات عقول الكائنات الحية وقابلية إدراكها.
وقد تكون التجارب المقبلة والابتكارات البحثية الجديدة قادرة على كشف قدرات أخرى لم نكن نعرفها بعد عن مملكة الحيوان، ما يجعل عالمنا أكثر إثارة وتشويقاً. وبالطبع سنبقى متابعين لهذه الاكتشافات المدهشة، مستمتعين بجمال العقل، سواء أكان بشرياً أم حيوانياً.