هل تقتل الصين المنافسة!؟ بايدو الصينية تتيح نموذج الذكاء الاصطناعي المتطور الخاص بها مجاناً للجميع.. ومفتوح المصدر!

4 د
أعلنت بايدو فتح مصدر "إرني"، مما يغير قواعد المنافسة في الذكاء الاصطناعي.
تهدف الاستراتيجية الجديدة لبناء مجتمع عالمي من المطورين والمبدعين.
خطوات بايدو قد تفتح سوق التقنية على نطاق واسع وتكسر احتكار المنافسين.
التحرك يشعل المنافسة في السوق العالمي ويزيد الضغوط على الشركات الغربية.
التحدي الرئيسي للشركات الأمريكية هو التكيف مع استراتيجيات المصادر المفتوحة.
أعلنت شركة "بايدو" الصينية، عملاق محركات البحث والذكاء الاصطناعي، عن خطوةٍ مفاجئة تمثلت في فتح مصدر روبوتها للدردشة الذكية "إرني"، مما قد يغيّر قواعد المنافسة جذرياً ويشعل حرب أسعار عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
و"إرني" هو نموذج ذكاء اصطناعي متطور يماثل في وظيفته نماذج شهيرة مثل "شات جي بي تي"، ويندرج ضمن فئة الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يستطيع إنشاء نصوص ومحادثات تحاكي سلوك البشر. هذه النماذج كانت تُطرح عادة بشكل حصري وبرسوم عالية مقابل تراخيص للاستخدام التجاري، إلا أن قرار بايدو بتوفير مصدر "إرني" مجاناً يهدد بالضغط على منافسيها العالميين الذين يفرضون رسومًا باهظة على استخدام تقنياتهم.
من المعروف عن بايدو تمسكها سابقاً بالأنظمة الحصرية المغلقة، ولهذا فإن التحول إلى المصادر المفتوحة يشكّل نقلة نوعية في استراتيجيتها. وتهدف الشركة من وراء هذا التحرك إلى بناء مجتمع عالمي مزدهر من المطورين والمبدعين الذين يستخدمون تقنيتها، وهو أمرٌ قد يكون أكثر ربحية على المدى الطويل من استراتيجيات الترخيص المدفوع.
خطوات متسارعة نحو تخفيض الأسعار وكسر الاحتكار
خلال الأشهر القليلة الماضية، رفعت بايدو من وتيرة خطواتها نحو فتح سوق التقنية للجميع. ففي فبراير الماضي، أعلنت إتاحة النموذج "إرني" للاستخدام المجاني، متخلية بذلك عن نموذج الاشتراك الشهري من أجل كسب انتشار أوسع. ثم في مارس، أطلقت إصدار "إرني 4.5" مع نموذج "X1" للذكاء الاصطناعي المخصص للمنطق والتحليل، بأسعار منافسة كانت أدنى بكثير من نماذج الشركات الغربية. كما أصدرت الشركة في الشهر نفسه نسخًا احترافية "Turbo" من البرنامجين، وقامت بخفض الأسعار بمعدل وصل إلى 80%.
وتأتي هذه الخطوة من بايدو استجابةً للنجاحات الكبيرة التي حققتها شركات مثل "ديب سيك"، وهي منافس صيني أثبت أن نماذج المصادر المفتوحة لا تقل كفاءة ودقة عن البرامج المغلقة، مما شكل ضغطًا شديدًا على النماذج الحصرية من الشركات الشهيرة مثل OpenAI الأمريكية.
إشعال المنافسة وزيادة الضغوط على الشركات الغربية
وتُشير كل هذه التحركات إلى الاحتدام الشديد في السوق الصينية والعالمية أيضاً، خصوصاً مع وجود لاعبين أقوياء من داخل الصين مثل "علي بابا"، و"تينسنت"، وعدد من الشركات الناشئة المعروفة بـ "نمور الذكاء الاصطناعي" مثل "زيبو AI" و"ميني ماكس" التي تعمل على إنشاء فيديوهات بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي. وتشير التقارير إلى أن بعض هذه الشركات تستعد لطرح أسهمها للاكتتاب العام في البورصات الدولية قريباً، مما سيخلق مزيداً من التنافس حول الاستثمار في هذا القطاع الواعد.
هذا التحرك من بايدو سينعكس حتماً على وضعها بين المستخدمين والمطورين، إذ تشير البيانات الحالية إلى أن "إرني" يحظى بنحو 23 مليون مستخدم نشط شهرياً، بينما لا يزال متأخراً بفارق واضح عن منافسيه في السوق المحلي مثل روبوت Duobao التابع لشركة بايت دانس (الشركة الأم لتيك توك) ذو الـ 83 مليون مستخدم. ومع ذلك، فإن فتح المصدر ونقل نموذج العمل نحو استقطاب مجتمع المطورين قد يسمح لـ "إرني" بتعويض هذا الفارق بسرعة.
ومثلما هو الحال في هيمنة الشركات الأمريكية الكبرى سابقاً، فإن السوق الصينية تشهد اليوم تحولات سريعة تبحث من خلالها الشركات الكبرى عن استراتيجيات جديدة للتعامل مع منافسة بايدو المتصاعدة.
وفي ظل هذه التطورات، تزداد الضغوط بشكل واضح على شركات أمريكية عملاقة مثل OpenAI التي اعترف رئيسها التنفيذي سام ألتمان في وقت سابق من هذا العام بأن شركته تواجه ضرورة ملحة للتفكير في تبني استراتيجيات المصادر المفتوحة لمواجهة المنافسة القادمة من الصين.
بين الفرص والتحديات.. ما القادم؟
لا شك أن خطوة بايدو هذه ستعني مزيدًا من الإثارة والاهتمام العالمي بمسيرة الذكاء الاصطناعي في الفترة المقبلة. وبالرغم من بعض المخاوف الغربية بشأن استخدام التكنولوجيا المفتوحة من قبل شركات صينية لأغراض أمنية، فإن الطريق أصبح ممهداً أمام الباحثين والمطورين من مختلف دول العالم للمساهمة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي دون قيود باهظة الكلفة.
ويبقى السؤال الأهم كيف ستستجيب الشركات الأمريكية العالمية لهذه التطورات؟ وهل ستقوم بمراجعة استراتيجيتها لتجنب الخسارة المحتملة في هذه الحرب السعرية المفتوحة؟ المؤكد أن المرحلة القادمة ستشهد تحولات كبرى قد تغير فعلاً من شكل المنافسة العالمية في هذا القطاع التكنولوجي الحيوي.
ختاماً، ربما من المهم لشركة بايدو تعزيز جهودها لتحسين الاعتراف بعلامتها التجارية خارج الصين، إذ لا تزال شعبيتها ضعيفة نسبياً في الأسواق العالمية مقارنة بالمنافسين الأمريكيين. كما أن الدخول في تعاون مع منصات عالمية أو إنشاء شراكات استراتيجية في السوق العالمية قد يساعدها في تحقيق ذلك بسرعة، ويزيد من قوة ضغطها وتأثيرها على السوق الدولي في المرحلة القادمة.