هل خدعنا الطب؟ السمنة أقل خطرًا من النحافة!

3 د
وجدت دراسة طبية أن النحافة المفرطة أخطر من السمنة المعتدلة.
أظهرت البيانات أن النحفاء معرضون لخطر الوفاة أكثر من أصحاب الوزن الزائد.
أصحاب الوزن الزائد المعتدلين لم يكونوا أكثر عرضة للوفاة من الفئة الطبيعية العليا.
النتائج تدعو لإعادة النظر في علاج السمنة مع التركيز على توزيع الدهون.
الدراسة تسلط الضوء على أهمية الاعتدال ونمط الحياة المتوازن للصحة.
لطالما ارتبطت السمنة في أذهان الكثيرين بارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب، فيما يُنظر إلى النحافة على أنها أكثر أمانًا بل وغالبًا ما تُفضل بفعل صور الجمال النمطية المتكررة على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن دراسة طبية جديدة قلبت هذا التصور رأسًا على عقب، لتجد أن انخفاض الوزن إلى مستويات غير صحية قد يكون أكثر خطورة على الحياة من زيادة الكيلوغرامات.
في التفاصيل، قام فريق من الباحثين بتحليل بيانات 85,761 شخصًا اعتمادًا على مؤشر كتلة الجسم (BMI)، وهو المقياس الطبي الذي يجمع بين الوزن والطول لتحديد نطاقات النحافة والسمنة. وعُرضت النتائج في الاجتماع السنوي للجمعية الأوروبية لدراسة السكري، حيث بيّن العلماء أن من يُوصَفون بـ “نحفاء” كانوا أكثر عرضة للوفاة مقارنةً بأصحاب الوزن الزائد أو حتى من يعانون من السمنة المعتدلة. وهذا يعيد النقاش حول ما يسمى في الأوساط العلمية بظاهرة “السمين الصحي” أو ما يطلق عليه بالإنجليزية Fat but Fit.
ماذا يقول مؤشر كتلة الجسم؟
يُقسّم المؤشر الفئات إلى: أقل من 18.5 نحيف، ما بين 18.5 و25 طبيعي، من 25 إلى أقل من 30 زائد وزن، ومن 30 إلى 40 بدين، بينما 40 وما فوق يُعد سمنة مفرطة. لكن اللافت أن الدراسة جزّأت حتى الفئة الطبيعية إلى مستويات: منخفضة، متوسطة، وعليا. وكانت النتائج واضحة: الأشخاص في المستوى الأدنى من الطبيعي وأكثر نحافة كانوا معرضين للوفاة بضعفين إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بأولئك في الحد الأعلى من الطبيعي. وهذا يربط بين الرؤية السائدة عن “النحافة المثالية” وحقيقة أنها قد تحمل خطورة أكبر مما نتوقع.
الانتقال من هذه المعطيات يكشف أن زيادة الوزن المعتدلة لا تعني بالضرورة حُكمًا بالإصابة بالأمراض القاتلة.
فقد أظهرت النتائج أن أصحاب الوزن الزائد وحتى بعض فئات السمنة الخفيفة (مؤشر بين 30 و35) لم يكونوا أكثر عرضة للوفاة مقارنة بالفئة العليا من الطبيعي، بينما ارتفعت المخاطر بشكل ملحوظ فقط بعد وصول المؤشر إلى 35 فما فوق. هذه الملاحظة تدعم نظرية أن تراكم الدهون ليس العامل الوحيد المحدد للصحة، بل نوع توزيعها في الجسم. فقد شرح الباحثون أن الدهون الحشوية العميقة حول الأعضاء – المعروفة بكونها أكثر خطورة – تختلف في تأثيرها عن الدهون التي تتراكم على الفخذين أو الوركين.
هذا بدوره يفتح النقاش حول ضرورة إعادة النظر في آليات علاج السمنة وخطط إنقاص الوزن.
فقد أكد الأطباء المشاركون أن النهج العلاجي ينبغي أن يكون فرديًا، يأخذ في الاعتبار توزيع الدهون، العمر، والأمراض المزمنة مثل السكري من النوع الثاني، بدل التركيز فقط على رقم مؤشر كتلة الجسم. كما أشار الباحثون إلى احتمال أن يكون جزء من تفسير خطورة النحافة مرتبطًا بوجود أمراض مزمنة تؤدي إلى فقدان الوزن وبالتالي تزيد من خطر الوفاة، مما قد يعطي انطباعًا زائفًا بأن زيادة الوزن توفر حماية نسبية.
في عالم تغزوه معايير تجميلية غير واقعية يفرضها الإعلان ووسائل التواصل، تأتي هذه النتائج لتعيد التوازن إلى النقاش حول الوزن المثالي. فهي تسلط الضوء على أن مؤشر كتلة الجسم مجرد أداة أولية لا تعكس القصة الكاملة لصحة الإنسان، وأن النظرة الأحادية للشكل قد تضلل الكثيرين عن المخاطر الفعلية وراء نحافة مفرطة أو توزيع دهون غير صحي.
خلاصة
الدراسة الجديدة لا تنكر مخاطر السمنة المفرطة، لكنها تدعو إلى التريث في اعتبار النحافة ميزة صحية. الرسالة الأساسية واضحة: الاعتدال هو الخيار الأكثر أمانًا، والأهم أن يرافقه نمط حياة متوازن، نشاط بدني، وغذاء صحي. وفي النهاية، الرقم على الميزان ليس وحده ما يحدد جودة حياتنا ولا مدى صحتنا.









