ورقة ممزقة تعيد إحياء واحدة من أعظم لحظات الحرب العالمية الثانية

3 د
اكتُشف سجل نادر لهجوم بيرل هاربر كاد يُفقد نهائيًا في سبعينيات القرن الماضي.
الدفتر المهترئ وجده ابن الموظفة المدنية أوريتا كانوندي بعد عقود طويلة.
السجل يحتوي على تفاصيل الجو والسفن والأحداث اليومية قبيل وأثناء الهجوم.
يعتبر السجل مصدرًا قيّمًا للباحثين في التاريخ والمناخ خلال الحرب العالمية الثانية.
هذه الوثيقة تُظهر أهمية الوثائق في سرعة استكشاف وتحليل التاريخ وتحول المناخ.
في مشهد يبدو مأخوذًا من رواية غامضة، استعادت الولايات المتحدة مؤخرًا سجلًّا بحريًا نادرًا كاد أن يُفقد إلى الأبد، لكنه عاد ليكشف تفاصيل جديدة عن واحد من أكثر الأيام تأثرًا في التاريخ الأمريكي: هجوم بيرل هاربر عام 1941.
في سبعينيات القرن الماضي، كانت موظفة مدنية في قاعدة **نورتون الجوية** بمدينة سان بيرناردينو بولاية كاليفورنيا تنظف أرشيفًا عسكريًا عندما لمحت دفترًا مهترئًا قرب سلة النفايات. اللافت أن على صفحاته ختمًا يحمل عبارة “بيرل هاربر”. حملت الموظفة **أوريتا كانوندي** الدفتر إلى منزلها دون أن تدرك كنزه الحقيقي، ثم انتقل لاحقًا إلى ابنها **مايكل بوندز**، الذي احتفظ به لعقود في صندوق دون أن يفتحه قط.
وبينما كان بوندز ينتقل إلى منزل جديد في مدينة هيمِت، لفت الدفتر انتباه خطيبته **تريسلين شارِت**، لتكتشف أنه ليس مجرد كراسة قديمة بل **السجل الرسمي لمحطة بيرل هاربر البحرية** الذي يوثق أحداثًا تمتد من مارس 1941 حتى يونيو 1942، وبينها يوم الهجوم نفسه في السابع من ديسمبر 1941.
وهذا الاكتشاف المفاجئ مهّد الطريق لرحلة غير متوقعة في ذاكرة الحرب العالمية الثانية.
وثيقة تنبض بالتاريخ
أثار ظهور السجل دهشة المؤرخين والأرشيفيين، إذ يحتوي على أكثر من **500 صفحة** مكتوبة بخط اليد تسجل المناخ، حركة السفن، والأنشطة اليومية في قاعدة بيرل هاربر. وعندما تسلمته **الإدارة الوطنية للأرشيفات والسجلات الأمريكية** رسميًا عام 2025، سارعت إلى **رقمنته** وإتاحته للباحثين عبر الإنترنت، باعتباره أحد **الوثائق القليلة التي دوّنت الحدث لحظة وقوعه** من داخل القاعدة نفسها.
في صفحة ذلك اليوم كتب أحد الضباط: “في الساعة 6:57 صباحًا، هاجمت غواصة يابانية مجهولة وتم إغراقها عند المدخل... في الساعة 7:55 بدأت الطائرات والغواصات اليابانية الهجوم على بيرل هاربر والأهداف العسكرية في أواهو". تلك السطور القليلة تختصر لحظة الفوضى التي غيّرت وجه القرن العشرين.
وهنا تبرز القيمة التاريخية للسجل، فهو لا يسرد فقط لحظات الحرب، بل يوثّق بدقة الطقس، الضغط الجوي، ودرجات حرارة البحر والجو حتى أثناء القصف، ما يعكس التزامًا عسكريًا مذهلًا بالتوثيق وسط الدمار.
عودة السجل إلى موطنه الشرعي
بعد أن تأكد بوندز من أهمية ما بين يديه، تواصل مع دار **ويتـمور للكتب النادرة** في باسادينا، والتي أكدت أصالة السجل لكنها نبهت إلى أنه **ملكية حكومية**. وعبرها تم التواصل مع الأرشيف الوطني، الذي أوفد عميلًا خاصًا إلى كاليفورنيا لاستعادة الدفتر.
لاحقًا، قدّمت السلطات لصاحب السجل هدية رمزية — قميصين يحملان شعار الأرشيف — تعبيرًا عن الامتنان لإعادته الوثيقة إلى مكانها الصحيح.
هذا التطور يربط بين جهود استعادة الذاكرة التاريخية ومشاريع بحثية أوسع تتجاوز حدود التاريخ العسكري إلى ميادين العلم والمناخ.
من ذاكرة الحرب إلى علم المناخ
فقد وُظفت بيانات ذلك السجل، إلى جانب مئات دفاتر السفن الأمريكية، في **أبحاث علمية حديثة** تهدف إلى ملء فراغات في بيانات الطقس العالمية خلال الحرب العالمية الثانية. ففي عام 2023 قاد الدكتور **برافيـن تيليتي** من **جامعة ريدنغ** البريطانية فريقًا بحثيًا تمكن بمساعدة أكثر من **4000 متطوع** من تحويل سجلات بحرية مماثلة إلى قاعدة بيانات ضخمة تحتوي على أكثر من **3 ملايين رصد مناخي**، من ضغط الهواء إلى سرعة الرياح وارتفاع الأمواج.
وقد أوضح العلماء أن تلك البيانات، التي جُمعت في أوقات كانت فيها المراصد المدنية متوقفة بسبب الحرب، تشكّل اليوم مصدرًا حيويًا لإعادة رسم **التقلبات المناخية** في النصف الأول من القرن العشرين، مضيفين بذلك بعدًا بيئيًا جديدًا إلى إرث الحرب.
ذاكرة من ورق وملوحة
وبينما تعود صفحات السجل القديم إلى حوزة الدولة، فإن قيمتها لا تكمن فقط في سرد الأحداث العسكرية بل في تذكيرنا بقدرة الوثائق على وصل الماضي بالحاضر. سجل واحد أنقذ من القمامة أعاد رسم لحظة فاصلة في التاريخ الأمريكي، وساهم في الوقت نفسه في فهم **تحولات المناخ العالمي**.
وهكذا، فإن قصة ذلك الدفتر المهترئ، الذي كاد أن يُنسى وسط ركام الورق، أصبحت شاهدة على أن الحكايات العظمى تنتظر أحيانًا من يلتقطها من بين ما نظنه غير ذي قيمة.









