ذكاء اصطناعي

10 آلاف متر نحو الأسفل… الصين تغوص في باطن الأرض لاستكشاف المجهول

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أطلقت الصين مشروع حفر بئر بعمق 10,000 متر في صحراء تاريم.

يسعى المشروع لاختراق طبقات جيولوجية قديمة واكتشاف موارد الطاقة الأحفورية.

تواجه الفرق تحديات تقنية وضغط شديد في درجات الحرارة العالية.

المشروع يجمع بين الأهداف العلمية والاقتصادية، مع توقعات لاكتشافات مذهلة.

يأتي المشروع ضمن الطموحات التكنولوجية للرئيس شي جين بينغ في علوم الأرض والفضاء.

انطلقت في صحراء تاريم، الواقعة غرب مقاطعة شينجيانغ الصينية، أعمال حفر بئر عملاقة يصل عمقها إلى 10 آلاف متر داخل باطن الأرض؛ معيدة للواجهة طموحات الصين الساعية نحو أسرار القشرة الأرضية وخبايا الثروات المخفية منذ ملايين السنين.

منذ مايو 2024، يسابق فريق من كبار المهندسين والعلماء الصينيين الزمن لبلوغ واحد من أعمق الثقوب التي تمت محاولة حفرها عالمياً، مستعينين بأحدث معدات الحفر وأكثرها قدرة على تحمل الظروف القاسية. الموقع الذي اختارته الصين لمغامرتها الجيولوجية الجديدة ليس عشوائيًّا، فقاع التاريم معروف بثرواته الضخمة من النفط والغاز، إضافة إلى مناخه القاسي وكثبان الرمال الواسعة، ما يجعله مختبراً مثالياً لاختبار أعقد تكنولوجيات الحفر العميق.

هدف المشروع الصيني أكبر من مجرد تسجيل الأرقام القياسية أو التفوق على حفرة كولا الروسية الشهيرة، والتي كانت أعمق حفرة في العالم حتى التسعينيات. ترمي الخطة إلى اختراق أكثر من عشرة طبقات صخرية قارية، والوصول إلى النظام الجيولوجي الطباشيري الذي يعود إلى حوالي 145 مليون عام إلى الوراء. من خلال هذا الاختراق، يتطلع الباحثون لاكتشاف بقايا زلزالية ومستودعات وقود أحفوري، وفهم أوضح لتاريخ الأرض وتكوين طبقاتها. تأتي هذه الخطوة بالتوازي مع دراسات علمية متقدمة حول التغيرات المناخية وحركة الصفائح التكتونية وتراكم النفط والغاز.


تكنولوجيا متطورة في مواجهة تحديات الطبيعة

يعتمد تنفيذ مثل هذا المشروع الضخم على معدات استثنائية تجاوز وزنها 2000 طن، تم تصميمها خصيصاً لتحمل ضغوط ودرجات حرارة ترتفع تدريجياً كلما تقدم الحفر في العمق. يتوقع الخبراء أن تصل الحرارة لقرابة 200 درجة مئوية، أما الضغط فقد يتعدى 1300 ضعف الضغط على سطح الأرض. يشبه الخبير الهندسي صن جينشنغ هذه المخاطرة: "كأنك تقود شاحنة ضخمة فوق حبلين رفيعين من الفولاذ"، معبراً عن ضخامة التحديات التقنية والفيزيائية التي تواجههم.

ما يجعل الطموح الصيني مثيراً للاهتمام هو مراكبة الأهداف العلمية والاقتصادية معاً. ففي حين تأمل الصين أن تضع يدها على بيانات جيولوجية عالية الدقة لتحسين توقعات الزلازل وإدارة الموارد، فهي تدرك في الوقت ذاته إمكانية اكتشاف احتياطات نفطية وغازية هائلة في أعماق لم يسبق لرأس حفر أن بلغها، أسوة باكتشافات سابقة على عمق 8500 متر. وهذا يمثل توازناً حساساً بين دفع حدود العلم وتعزيز الأمن الطاقي الوطني.

وفي هذا السياق، ترتبط رغبة الصين في تجاوز حواجز الطبقات الجيولوجية بما أعلنه الرئيس شي جين بينغ مؤخراً من ضرورة تحقيق قفزات تكنولوجية في علوم أعماق الأرض والفضاء. فبعد بعثات الصين الطموحة إلى القمر والمريخ وجمع عينات من الكويكبات، ها هي اليوم تغوص في رحلة عكسية داخل كوكبنا، لتكتشف أسرار البنية التحتية للأرض وتنقل البشرية الى مستوى جديد من المعرفة الجيولوجية.


اكتشافات مرتقبة وتوقعات المستقبل

من اللافت أن تجارب الحفر العميق السابقة، مثل حفرة كولا في روسيا، قادت إلى اكتشافات مذهلة، كالعثور على مياه في طبقات كان يُعتقد أنها جافة أو وجود حفريات ميكروسكوبية على أعماق غير مسبوقة. وهذا يضع المشروع الصيني في قلب عالم من الاحتمالات الجديدة، سواء في مجال كشف السجلات المناخية الطبيعية أو تسليط الضوء على تطور الأرض عبر ملايين السنين. وفي حال نجحت التجربة، قد تعيد تشكيل فهمنا لآليات تكون الموارد الطبيعية، وأيضاً لرصد الإشارات الزلزالية العميقة.

ذو صلة

كل هذا يأتي في إطار سباق عالمي محموم لاستخدام تقنيات الحفر العميق في استكشاف أعماق الأرض، حيث تجمع الدول بين طموحات العلم ومصالح الطاقة، وتضخ استثمارات ضخمة في سبيل فتح أسرار لا يمكن رصدها بمجرد الأجهزة السطحية أو التصوير الزلزالي.

مع اقتراب موعد اكتمال المشروع أواخر عام 2025، يترقب عالم الجيولوجيا النتائج بحماس. فحتى إذا لم تحقق البعثة كل أهدافها، يكفي أنها ستدر على العالم بيانات فريدة وستضع معايير جديدة لقوة الإنسان على اختبار أعقد ظروف الطبيعة. وقد يكون من الأجدى لو أضاف القائمون على المشروع مزيداً من التوضيح حول الهدف العلمي للأبحاث الجارية، أو تم التركيز أكثر على ربط طموحات الاستكشاف الأرضي بمشاريع الفضاء الصينية، ليصبح السرد أكثر تماسكاً وجاذبية للقارئ.

ذو صلة