ذكاء اصطناعي

117 مليون عام من الأسرار المدفونة… هياكل عملاقة تحت الأطلسي تهزّ فهمنا لتاريخ الأرض!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشاف تراكيب طينية ضخمة في قاع الأطلسي عمرها 117 مليون عام يكشف عن نشأة المحيط.

تشكلت هذه الموجات الطينية نتيجة التغيرات في حركة الصفائح القارية والانفتاح التكتوني.

أطلقت العمليات التكتونية كميات كبيرة من الكربون، مما تسبب في ارتفاع حراري عالمي.

تشير التراكيب إلى تفاعلات جيولوجية معقدة وتأثيرها على مناخ الأرض.

يساهم هذا الاكتشاف في فهم الأشكال المبكرة للأطلسي والتغيرات البيئية.

في اكتشافٍ علمي يفتح نافذة على ماضي الأرض السحيق، أعلن فريق من الجيولوجيين عن العثور على تراكيب طينية هائلة مدفونة تحت قاع المحيط الأطلسي يعود عمرها إلى نحو 117 مليون سنة، ما يلقي الضوء على المراحل الأولى لتكوّن هذا المحيط الفسيح.

بدأت القصة مع فريق من جامعة “هريوت وات” البريطانية ومجموعة من المؤسسات البحثية العالمية، الذين أعادوا تحليل عينات من الرواسب البحرية حُفرت منذ أكثر من أربعة عقود قبالة سواحل غينيا بيساو في غرب إفريقيا. النتائج المبدئية دلّت على وجود “موجات طينية” ضخمة يصل طول الواحدة منها إلى كيلومتر وارتفاعها إلى مئات الأمتار، تكونت في مرحلة حاسمة عندما بدأت قارتا إفريقيا وأمريكا الجنوبية بالانفصال عن بعضهما.

وهذا يقود إلى السؤال كيف تشكلت هذه الموجات العملاقة التي تخفيها طبقات القاع؟


ولادة الأطلسي وحركة الصفائح القارية


يرى الباحثون أن تلك البنى تشكّلت نتيجة مزج شديد القوة بين مياه شديدة الملوحة من الجنوب وأخرى أقل ملوحة من الشمال، ما أوجد تيارات بحرية جبارة أدت إلى نحت الرواسب بشكل أمواج طينية مترامية الأطراف. هذه الظاهرة تزامنت مع المراحل الأخيرة من عملية “الانفتاح التكتوني” التي أنتجت المحيط الأطلسي كما نعرفه اليوم. فالمحيط لم يتكوّن دفعة واحدة، بل عبر مراحل طويلة من التباعد البحري والانجراف القاري، حتى امتلأ الفاصل المائي بين القارتين تدريجياً بمياه جديدة.

وهذا الترابط بين النشاط التكتوني وتغير الدينامية البحرية ساهم أيضاً في تبدل التوازن البيئي لذلك العصر.


تأثيرات مناخية غير متوقعة


قبل اكتمال تشكّل الأطلسي، كانت المنطقة بين القارتين عبارة عن أحواض ملحية مغلقة غنية بالرسوبيات والكربون. ومع بداية الانفتاح التدريجي للمحيط، تراجع احتجاز الكربون في تلك الأحواض، فانطلقت كميات منه إلى الغلاف الجوي مسببة ارتفاعاً حرارياً عالمياً بين 117 و110 ملايين عام مضت. تشير الجيولوجية ديبورا دوارتي المشاركة في الدراسة إلى أن “الممر البحري بين القارتين كان عاملاً محورياً في تغيير مناخ الأرض على المستوى الكوكبي”.

وانطلاقاً من هذه النتائج، يربط العلماء بين ميلاد الأطلسي ودوراته المائية وبين التحولات المناخية التي مهدت لأشكال الحياة المعاصرة.


طبقات الزمن المدفونة في الأعماق


خلال ملايين السنين التالية، تراكمت طبقات جديدة من الرواسب فوق تلك الموجات، فطمرتها كلياً داخل قشرة الأرض تحت قاع البحر. ومع أن هذه التراكيب لم تعد مرئية، إلا أنها تحمل بصمة فريدة عن قوة الحركات الجيولوجية التي شكلت ملامح كوكبنا. فكل مليمتر من تلك الطبقات هو سجل زمني يروي حكاية تفاعل الصفائح القارية والمحيطات والعناصر المناخية.

وهذا ما دفع الفريق البحثي إلى اعتبار الاكتشاف حلقةً مفقودة في فهم تاريخ نشأة المحيط الأطلسي وتغير مناخ الأرض القديم.


بوابة لفهم أوسع

ذو صلة


يؤكد الباحثون أن دراسة هذه الموجات الطينية لا تقتصر على الجيولوجيا وحدها؛ فهي تمس مجالات علم المناخ القديم وديناميات المحيطات وحتى مستقبل التغير المناخي اليوم. فكشف أسرار الماضي يساعد العلماء على بناء نماذج أكثر دقة لتوقع التحولات البيئية المقبلة.

في الختام، يقدّم هذا الاكتشاف لمحة نادرة عن اللحظات الأولى لولادة الأطلسي، حين كانت الأرض تعيد تشكيل قاراتها وبحارها. إنه تذكير بأن الكوكب ما زال يحتفظ في أعماقه بأسرار لم تُكشف بعد، تنتظر من يستخرجها ليكمل قصة تشكّل عالمنا الأزرق.

ذو صلة