310 ملايين سنة إلى الوراء… سمكة اخترعت أول لسان يعضّ في التاريخ

3 د
اكتشف فريق علمي تركيبًا شبيهًا باللسان في سمكة قديمة عمرها 310 ملايين سنة.
هذا الاكتشاف يوضح كيف بدأت الأسماك باستخدام عظام الخياشيم لتغيير التغذية.
ظهرت هذه الآلية في نوع "بلاتيسوموس" الذي عاش في العصر البنسيلفاني المبكر.
توضح الظاهرة مفهوم "التطور المتقارب" بتطور حلول مشابهة لدى أنواع مختلفة.
تكشف هذه الأحفورة كيف تتشكل استراتيجيات الغذاء من الماضي إلى الحاضر.
اكتشف فريق علمي بقيادة باحث من جامعة ميشيغان دليلاً يعد الأول من نوعه على ظهور تركيب شبيه باللسان داخل فم سمكة قديمة، وهو ابتكار تطوري يعود إلى نحو 310 ملايين سنة. هذا الاكتشاف يكشف عن لحظة حاسمة حين بدأت الأسماك باستخدام عظام الخياشيم لتغيير طريقة التقاطها ومعالجتها للطعام.
هذا التطور المثير ظهر لدى نوع من الأسماك يُعرف باسم **“بلاتيسوموس”**، عاش في الحقبة المعروفة بالبنسيلفانية المبكرة، حين شرعت الأسماك ذات الزعانف الشعاعية في تجربة أساليب جديدة للبقاء، بما في ذلك تنويع طرائق التغذية. ينتمي هذا النوع إلى السلالة نفسها التي خرجت منها أنواع مألوفة اليوم مثل السلمون، والتونة، والقد.
كيف عملت الآلية الجديدة؟
البروفيسور مات فريدمان، عالم الأحافير من جامعة ميشيغان، كان من أبرز المشاركين في هذا الاكتشاف. فقد أظهرت دراسة الهيكل الداخلي أن السمكة امتلكت صفيحة من الأسنان مثبتة على عظام متصلة بالخياشيم، تقابل صفيحة أخرى علوية، بحيث يتداخل السطحان مثل فكّين صغيرين على أرضية الفم. هذه التقنية سمحت للسمكة بسحق وطحن الغذاء، في ما يشبه أول نسخة معروفة لما يسمى اليوم “اللسان القاضم”.
وهنا يظهر الرابط بين اكتشاف “بلاتيسوموس” وبين نظرية التكيف التطوري؛ فالتاريخ يخبرنا كيف قد تلجأ مجموعات مختلفة من الكائنات إلى حلول مشابهة لمواجهة تحديات متقاربة.
التطور المتوازي وأسرار التكيف
يقول فريدمان إن الظاهرة تقودنا للحديث عن ما يسمى “التطور المتقارب”، أي أن مجموعات مختلفة من الحيوانات قد تطوّر الأدوات نفسها في أزمنة متباعدة. فقد ظهر “اللسان القاضم” لاحقاً في سلالات أخرى من الأسماك، ما يعكس الحدود والفرص التي يتيحها الانتقاء الطبيعي عبر الزمن. بمعنى آخر، هناك “مسارات أسهل” للسير عليها تطورياً مقارنة بمسارات أخرى.
تتصل هذه الفكرة بالتساؤل الوجودي في علم الأحياء التطوري: هل تصل الكائنات لنتائج مشابهة لأنها تواجه الضغوط نفسها، أم أن الصدفة وحدها تتحكم؟ وهنا يقدم “بلاتيسوموس” مثالاً واضحاً على أن البيئة والضغوط الغذائية تترك بصمة متكررة في سجل الحياة.
صعوبة حفظ الأحافير وقيمة المتاحف
غير أن الوصول لهذه النتيجة لم يكن سهلاً، فسمكة “بلاتيسوموس” ذات الجسم العميق والمسطح كانت عند تحجرها تصبح مسطحة أكثر، ما يعيق رؤية تفاصيل الهيكل الداخلي. لذلك قضى فريدمان سنوات في التنقيب داخل مجموعات المتاحف حول العالم بحثاً عن جماجم محفوظة ثلاثيّة الأبعاد. وفي إحدى هذه الحالات، باستخدام التصوير المقطعي المحوسب في متحف بريطاني، ظهرت البنية الخيشومية الفريدة التي كشفت السر.
وما يميز الاكتشاف أن العينة التي غيرت المسار العلمي جُمعت قبل أكثر من مئة وعشرين سنة، دون أن يدرك أحد قيمتها الحقيقية. وهو ما يوضح الدور المحوري للمجموعات المخزّنة في المتاحف كمكتبات حية للعلم، وليست مجرد بقايا قديمة مركونة على الرفوف.
مقارنة مع الأسماك الحديثة
المثير أيضاً أنّ أكثر الأسماك تشابهاً مع “بلاتيسوموس” من حيث آلية المضغ اليوم هي سمكة “البونفيش”، وهي تعيش في المياه الاستوائية وتقتات أساساً على قشريات صلبة مثل السرطانات. هذا الرابط التطوري بين الماضي السحيق والحاضر يفتح نافذة جديدة لفهم كيف تتشكل استراتيجيات الغذاء من عصر إلى آخر.
وهذا يربط بين أحفورات عمرها مئات الملايين من السنين وبين ممارسات التغذية اليومية لأسماك نراها اليوم في محيطات العالم.
خاتمة
باختصار، يكشف هذا الاكتشاف أن مسيرة تطور السمك لم تكن سلسلة عشوائية فحسب، بل تميزت بابتكارات ميكانيكية على غرار “اللسان القاضم” الذي غير طريقة التغذية بشكل جذري. ومع كل كشف جديد من أعماق المتاحف أو من طبقات الصخور، تتسع رؤيتنا لقصة الحياة على الأرض، ونفهم كيف أن التكيف، رغم تنوعه، قد يسلك في النهاية طرقاً متقاربة للوصول إلى الهدف ذاته: البقاء.