43 عامًا من البقاء… القصة المدهشة لأطول عنكبوت عاش على وجه الأرض

2 د
العنكبوت رقم 16 عاشت 43 عامًا في أستراليا، محققةً رقمًا قياسيًا عالميًا.
بدأت قصتها عام 1974 ضمن مشروع بحثي لدراسة سلوك العناكب الفخيّة.
ثباتها المدهش وسلوكها الاقتصادي في استهلاك الطاقة ساهم في طول عمرها.
موطنها الطبيعي الذي خال من التأثيرات البشرية ساعد في حمايتها من المفترسات.
على الرغم من نهايتها بسبب طفيلي، قدمت دروسًا في الاستدامة والتكيف البيئي.
من قلب الأراضي الجافة في أستراليا، خرجت قصة غير معتادة عن مخلوق صغير لكنه حقق إنجازًا كبيرًا. إنها «العنكبوت رقم 16»، صاحبة الرقم القياسي كأطول العناكب عمرًا في العالم، بعدما عاشت **43 عامًا كاملة**، لتخلّد اسمها في تاريخ علم الأحياء.
بدأت حكاية هذه الأنثى من نوع **غايوس فيلوسوس** سنة 1974، ضمن مشروع بحثي أطلقته العالِمة الأسترالية «باربرا يورك ماين» في محمية «نورث بونغولا». كان الهدف متابعة سلوك العناكب التي تُعرف باسم «ذات الباب الفخّي»، تلك التي تحفر جحرًا وتغلقه بغطاء محكم لتصطاد منه فرائسها في صبرٍ مذهل. ومع مرور العقود، كانت «رقم 16» الناجية الأطول عمرًا بين أقرانها في الدراسة.
وهذا يربط بين دأب الباحثين وسلوك العنكبوت الذي اتّسم بالثبات المدهش في بيئة قاسية. فقد أكدت العالِمة «لياندا ماسون» من جامعة كيرتن أن طول عمرها لم يكن مصادفة، بل نتيجة **نمط حياة ساكن ومنخفض الاستهلاك للطاقة**، إضافة إلى استقرارها في بيئة طبيعية غير متأثرة بالنشاط البشري، ما وفر لها الحماية من المفترسات والتقلبات.
بيئة الاستقرار وعمر استثنائي
يُرجّح العلماء أن سرّ صمود هذا النوع من العناكب يعود إلى سلوكها الثابت في الجحور. فهي لا تتجوّل إلا نادرًا وتنتظر الفرائس تمرّ قرب مدخل الجحر، مما يقلل خطر المواجهة ويوفر الطاقة. ويُعد هذا السلوك مثالاً بديعًا على **التكيّف البيئي** و**الاقتصاد الحيوي** الذي يضمن بقاء المخلوق أعوامًا طويلة رغم ندرة الموارد.
ومن هنا تنتقل القصة إلى نهايتها المؤثرة؛ فبعد رحلة دامت أكثر من أربعة عقود، انتهت حياة «رقم 16» عام 2016 على يد **دبّور طفيلي** اخترق غطاء جحرها ووضع بيضه داخلها. وبمجرد فقس اليرقات، تغذت على العنكبوت من الداخل حتى فارقت الحياة، في مشهد يلخص قسوة الطبيعة وتوازنها الدقيق.
لكن حتى في رحيلها، تركت هذه العنكبوت دروسًا ثمينة. فقد مكّنتها سنوات المراقبة من تقديم معرفة غير مسبوقة حول دورة حياة العناكب الفخّية، ومخاطر **الطفيليات** التي تهددها، وطرق الحفاظ على التنوع البيولوجي في البيئات البرّية غير الممسوسة بالبشر.
وهذا يربط بين قصة «رقم 16» ورسالة أعمق تتعلق بفلسفة البقاء المستدام. فكما عاشت باستهلاكٍ محدود وضمن حدود جحرها، يدعو العلماء البشر إلى انتهاج أسلوب حياة أكثر توازنًا مع البيئة. إن نموذجها في الاقتصاد بالطاقة وحُسن التكيّف يذكّرنا بأن **الاستدامة** ليست شعارًا فحسب، بل أسلوب نجاة متجذر في الطبيعة منذ الأزل.
في النهاية، تبقى «العنكبوت رقم 16» رمزًا لقدرة الحياة على **المرونة والصبر** مهما بدت الظروف قاسية. قصة مخلوق صغير ألهمت الباحثين حول العالم، وأثبتت أن أسرار البقاء لا تُقاس بالحجم، بل بالقدرة على التكيّف والهدوء في وجه الزمن.