ذكاء اصطناعي

50 سفينة و20 طائرة ضائعة…مثلث برمودا يكشف أسراره أخيرًا

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تمثيل مثلث برمودا كأسطورة تأثر بالقصص والروايات على مدى عقود.

الموجات المارقة وتيارات الخليج تشكل مخاطر كبيرة تفسر بعض الحوادث.

انحرافات مغناطيسية وظروف جوية قاسية تسهم في اختفاء الطائرات والسفن.

حادثة "الرحلة 19" تشدد على دور الأخطاء البشرية والتقنية في الاختفاءات.

الأسطورة تستمر رغم التفسيرات العلمية والحقائق الموضوعية حول الظواهر الطبيعية.

منذ عقود طويلة ظل اسم *مثلث برمودا* يثير الرهبة والفضول معاً. حكايات عن سفن تختفي في عرض البحر، وطائرات تتبدد دون أثر، وأسرار لم تجد تفسيراً واضحاً، صنعت من هذه المنطقة الممتدة بين فلوريدا وبورتوريكو وبرمودا أسطورة عالمية. لكن يبدو أن العلم اليوم يضع نهاية لهذه الرواية المثيرة.

الموضوع في الأساس ليس سحراً ولا لعنة بحرية. فالعلماء يشيرون إلى أن حالات الاختفاء في المثلث لا تختلف إحصائياً عن أي بقعة محيطية أخرى مأهولة بالملاحة. شركات التأمين العالمية مثل "لويدز لندن" لم تُدرج المنطقة يوماً كمجال خطير، فيما تؤكد خفر السواحل الأمريكية والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أن حوادث المثلث ليست أعلى من المعدلات الطبيعية. وهذا يعيدنا إلى الفكرة الجوهرية: المسألة في الغالب مزيج من طبيعة الطقس الصعبة وخطأ الإنسان.


الموجات المارقة: وحش البحر المخفي


من أبرز التفسيرات العلمية التي يطرحها الباحثون، ظاهرة "الموجات المارقة" الضخمة، وهي أمواج غير متوقعة قد يبلغ ارتفاعها ثلاثين متراً، تكفي لابتلاع سفينة كاملة أو إرباك طائرة مقاتلة تحلق على علو منخفض. هذه الأمواج تم توثيقها بوضوح منذ التسعينيات عبر أقمار صناعية، وهي ليست ضرباً من الخيال. وجود تيار الخليج السريع الذي يمر في المثلث يضاعف هذه المخاطر، ويجعل عمليات البحث والإنقاذ أكثر تعقيداً. وهذا يربط بين الظواهر الطبيعية اليومية وبين أسطورة راسخة في المخيلة الشعبية.

بعد الحديث عن البحر العاصف والموجات غير المتوقعة، تبرز مسألة أخرى لا تقل أهمية: الجانب التقني المرتبط بالملاحة والأجهزة.

المغناطيسية والطقس العنيف يلعبان أيضاً دوراً محورياً. رغم أن البوصلات غالباً ما تعمل بشكل طبيعي، إلا أن تقارير علمية تشير أحياناً إلى انحرافات مغناطيسية محدودة قادرة على إرباك الطيارين غير المدربين بشكل كافٍ. أما الجو الاستوائي في المحيط الأطلسي فيتميز بعواصف رعدية مفاجئة واضطرابات هوائية قوية، ما يزيد من احتمالات الحوادث. وهذا يعكس أن كثيراً من الاختفاءات ليست سوى نتاج عوامل جوية وتقنية يمكن تفسيرها.

لكن لا يمكن تناول مثلث برمودا دون العودة إلى القصة الأشد تأثيراً في صنع أسطورته: حادثة "الرحلة 19".


رحلة 19: الحلقة الأبرز في اللغز


في ديسمبر 1945 أقلعت خمس طائرات قاذفة أمريكية من طراز "أفنجر" في تدريب روتيني، ولم تعد. انضم طائرة إنقاذ في البحث واختفت بدورها. لسنوات طويلة بدا الأمر دليلاً دامغاً على "قوى خفية". لكن التحقيقات لاحقاً أظهرت حقائق أكثر بساطة: قائد المهمة كان مرتبكاً، أخطأ في تحديد موقعه، تجاهل نصائح طياريه الشبان، وقاد الجميع بعيداً عن اليابسة. أما طائرة الإنقاذ، فشُوهدت تنفجر في الجو، وهو عطل معروف لطرازها الملقب آنذاك بـ"خزان الوقود الطائر". وهذا يربط الحوادث المؤلمة بعوامل بشرية وتقنية لا بغموض خارق.

مع ذلك، ورغم كل التفسيرات العلمية وبيانات المؤسسات الرسمية، فإن الأسطورة لا تزال حاضرة بقوة. كتب شعبية في الستينيات والسبعينيات ضخّمت رواية "المثلث الملعون"، وأفلام هوليوود غذّت الخيال بقصص الفضائيين وأطلال أتلانتس الغارقة. وهذا يفسر سبب استمرارية الهالة رغم انكشاف الحقائق.

ذو صلة

في النهاية، يؤكد الباحثون أن مثلث برمودا ليس سوى منطقة محيطية واسعة تعاني ما يعانيه غيرها: عواصف، تيارات قوية، أخطاء بشرية، وظروف ملاحة قاسية. لكن جاذبية القصة تكمن في قدرتها على الجمع بين العلم والأسطورة، وبين الواقعي والخيالي. ربما لهذا سيظل المثلث في المخيلة العالمية مثالاً على كيف يمكن للأساطير أن تعيش طويلاً حتى بعد أن يقول العلم كلمته.

ذو صلة