52 هرتز: الحوت الوحيد في العالم الذي أثار فضول البشرية منذ 30 عامًا

3 د
الحوت ذو الـ52 هرتز حير العلماء والجمهور لعقود بصوته الفريد والمميز.
بدأت القصة عام 1989 برصد إشارات صوتية في المحيط الهادئ بتردد غير معتاد.
تحليلات علمية تشير إلى أن الحوت قد لا يكون وحيدًا كما كان معتقدًا.
فيلم وثائقي في 2021 يعيد الاهتمام بالحوت ويفتح آفاقًا جديدة للبحث العلمي.
الحوت الغريب يجسد قصة التفرّد والمفاجآت في عالم البحار العجيب.
لمدة تزيد على ثلاثين عامًا ظل الحوت المعروف بـ«52 هرتز» حديث العلماء والجمهور على حد سواء. أُطلق عليه لقب «أوحد الحيتان» أو «الأكثر وحدة في العالم» بسبب صوته الفريد الذي لا يشبه أصوات بقية الحيتان. لكن أبحاث السنوات الأخيرة بدأت تقلب القصة رأسًا على عقب: هل هو بالفعل يعيش في عزلة، أم أن خيوط الحكاية أكثر تعقيدًا مما نتصور؟
بداية الحكاية تعود إلى عام 1989 حين رصد العلماء إشارات صوتية مميزة وسط المحيط الهادئ. ما لفت الانتباه أن الحوت أطلق صوتًا بتردد **52 هرتز**، وهو أعلى بكثير من المدى المعتاد لحيتان مثل الحوت الأزرق أو الحوت الزعنفي، التي تتراوح أصواتها غالبًا بين 16 و28 هرتز. هذه النبرة الفريدة جعلته ملفتًا منذ اللحظة الأولى، ودفعت بعض الباحثين للتساؤل: هل يكون مزيجًا أو نوعًا هجينًا لم يكتشف بعد؟
وهذا يربط بين البدايات الغامضة عام 1989 والرحلة الطويلة التي تواصلت على مدى عقود لاحقة.
بين الأسطورة والواقع العلمي
طوال سنوات، سيطر على المخيلة العامة تصور أن هذا الحوت يغني وحيدًا في المحيط ولا يسمعه أحد. لكن تحليلات علماء الصوتيات البحرية تشير إلى أن الصورة أبسط وأكثر دقة. فهو يستخدم عناصر من «لغة» الحيتان الزرقاء، ما يعني أن بقية الحيتان قادرة على سماع تردده حتى وإن لم تستجب بالطريقة التقليدية. وتجعل هذه الحقيقة فكرة «الوحدة المطلقة» أقرب إلى الخيال الشعبي منها إلى الحقيقة العلمية.
وهنا يظهر أن الرواية الإعلامية المؤثرة لا تعكس دومًا تفاصيل البحث العلمي.
هل هناك رفيق خفي؟
في عام 2010 التقطت مجسات صوتية قبالة سواحل كاليفورنيا أصواتًا قريبة من تردد الـ52 هرتز. وقد فتح ذلك باب التكهنات حول احتمال وجود حوت ثانٍ يملك البصمة الصوتية نفسها. غير أن الدراسات اللاحقة لم تثبت هذه الفرضية، ولم يرصد الباحثون مؤشرات قوية على وجود «توأم» لهذا الصوت الغامض.
وهذا يقودنا إلى الدور الكبير للشائعات والتأويل العاطفي في تشكيل صورة هذا الكائن الغريب لدى الجمهور.
وثائقي ينعش القصة
في عام 2021 جاء الفيلم الوثائقي *The Loneliest Whale: The Search for 52* ليضخ جرعة جديدة من الإثارة. فريق البحث الذي تابع الحوت كشف عن رصد حديث لتردده قرب سواحل لوس أنجلوس بعد سنوات من الغياب. والأكثر إثارة أن بعض العلماء طرحوا فرضية كونه كائنًا هجينًا من الحوت الأزرق والحوت الزعنفي، ما يفسر غرابة نبرته ويضعه في مرتبة فريدة من نوعها ضمن عالم الثدييات البحرية.
وهذا يفتح نافذة جديدة للبحث المستقبلي في التنوع الوراثي ومفاجآت المحيطات.
خاتمة
الحوت ذو الـ52 هرتز ليس مجرد كائن غريب الصوت، بل رمز لحكاية مزجت بين العلم والأسطورة والخيال الشعبي. تردده الفريد قد يكون علامة على الاختلاف أو الهجنة، لكنه بالتأكيد لم يمنعه من البقاء لعقود في محيط مليء بالأسرار. ومع كل تسجيل جديد لصوته، يتجدد الأمل في فهم أعمق لعالم البحار وما يخفيه من مفاجآت. وفي النهاية، يبدو أن القصة ليست عن الوحدة بقدر ما هي عن التفرّد والقدرة على البقاء.









