ذكاء اصطناعي

99.9% من سرعة الضوء! اكتشاف نادر يهزّ مفاهيم الفيزياء الحديثة

محمد كمال
محمد كمال

3 د

قام علماء الفيزياء في جامعة فيينا بمحاكاة تأثير تيريل-بنروز بنجاح.

استخدم الباحثون نبضات ليزر سريعة للتصوير كأن الأجسام تتحرك بسرعة الضوء.

النتائج تمثل أداة تعليمية تساعد في تبسيط مفاهيم النسبية للطلاب.

النظرية تحولت من معادلات رياضية إلى واقع بصري ملموس في المختبر.

في تجربة غير مسبوقة، تمكن فريق من جامعة فيينا للتكنولوجيا من إعادة إحياء ظاهرة تنبأ بها الفيزيائيون منذ أكثر من ستين عاماً، تُعرف باسم **تأثير تيريل–بنروز**، وهي خدعة بصرية توهم المشاهد بأن الجسم السريع يدور بدلاً من أن يتقلص، كما قد توحي به **نظرية النسبية الخاصة لآينشتاين**. هذا الإنجاز جعل المختبر يشهد لأول مرة ما يمكن أن يبدو عليه جسم يتحرك بسرعة 99.9% من سرعة الضوء.

هذا الوقع العلمي المثير يدفعنا إلى الغوص أكثر في تفاصيل التجربة وما كشفته من مفارقات بين الواقع البصري والقوانين الفيزيائية.


كيف بدأت الفكرة؟

من المعروف في النسبية الخاصة أن الأجسام التي تقترب سرعتها من سرعة الضوء تخضع لظاهرة تُعرف بـ **انكماش لورنتز**، أي أنها تتقلص في اتجاه حركتها. ومع ذلك، أوضح العالمان روجر بنروز وجيمس تيريل عام 1959 أن المشاهد لن يرى جسماً مسطحاً أو مضغوطاً، بل سيبدو كما لو كان **يدور قليلاً** بسبب اختلاف الزمن الذي تستغرقه الفوتونات الصادرة من أطراف الجسم المختلفة للوصول إلى العين أو الكاميرا. وهنا يكمن الوهم البصري الذي أرهق عقول الفيزيائيين لعقود.

وهذا يقودنا مباشرة إلى الطريقة المبتكرة التي استخدمها فريق فيينا لينقل النظرية إلى تجربة ملموسة.


التجربة: الضوء يحاكي السرعة

استخدم الباحثون **نبضات ليزر فائق السرعة** وكاميرات دقيقة الالتقاط لتصوير مكعب وكرة كما لو كانا يتحركان بسرعات تقترب من سرعة الضوء. فبدلاً من دفع الأجسام فعلياً إلى هذه السرعات المستحيلة عملياً، أطلق الفريق نبضات ضوئية تستمر لبضع مئات من التريليونات من الثانية، مع تحريك الأجسام خطوة صغيرة بعد كل نبضة لخلق سلسلة من "اللقطات المقطعية". وعند دمج هذه اللقطات، بدا الشكل النهائي وكأنه يسابق الضوء نفسه.

الربط المنطقي هنا يظهر أهمية استبدال الحركة الفيزيائية بالمحاكاة البصرية، إذ يجعل من المستحيل نظرياً أمراً قابلاً للمشاهدة.


ما بين الوهم والحقيقة

أوضح الباحث الرئيسي دومينيك هورنوڤ أن ما نراه ليس دوراناً حقيقياً، بل **نتيجة هندسية** لطريقة وصول الضوء إلى الكاميرا. فالأجزاء الخلفية من الجسم ترسل ضوءها متأخراً جزءاً بسيطاً من الثانية مقارنة بالجزء الأمامي، ما يجعل الصورة النهائية تُظهر الجسم كأنه ملتفّ حول نفسه. من هنا، لم تخالف التجربة نظرية النسبية، لكنها قدّمت دليلاً بصرياً ملموساً على أحد فروعها الأكثر غموضاً.

وهذا يفتح النقاش حول كيف يمكن لمفاهيم عمرها قرن أن تتجسد اليوم في مختبر بحجم غرفة.


أهمية الاكتشاف وحدوده

ذو صلة

يرى العلماء أن هذه النتائج لا تقتصر على كونها مشهداً بصرياً مذهلاً، بل تمثل **أداة تعليمية** تساعد في تبسيط المفاهيم النسبية للطلاب والجمهور. لكنها أيضاً تذكير بأن الوصول إلى سرعات الضوء ما يزال خارج نطاق الإمكان العملي، نظراً للطاقة الهائلة المطلوبة. ومع ذلك، يثبت هذا البحث أن الفيزياء يمكنها دائماً أن تجد سبيلاً للإبداع حتى ضمن حدود المستحيل.

في نهاية المطاف، ما فعله الفريق النمساوي لا يغيّر فقط نظرتنا إلى الحركة والضوء، بل يعيد تعريف الطريقة التي يمكن بها تحويل الرياضيات المجردة إلى تجربة حسية. فالعين رأت ما كان حتى الأمس القريب مجرد معادلة، والخيال العلمي الذي غذّى أفلام الفضاء صار اليوم حقيقة داخل مختبر جامعي.

ذو صلة