سكريات من أعماق المحيطات تُشعل ثورة في مكافحة السرطان: هل اقتربنا من العلاج المنشود؟

3 د
اكتشف العلماء سكر من ميكروبات المحيطات يجبر خلايا السرطان على الانتحار.
يحفز السكر جهاز المناعة لمهاجمة الأورام بآلية تسمي "البيروبتوسيس".
أظهرت الفئران انخفاض نمو السرطان عند استخدام المركب الجديد.
يبقى التحدي في نقل النتائج من الفئران إلى البشر بأمان.
يمثل الاكتشاف أملاً جديداً في تطوير علاجات مناعية ذكية للسرطان.
تخيل أن ينجح العلماء في دفع خلايا السرطان لتدمير نفسها من الداخل، وكأنها تنفجر في مواجهة غير متكافئة! هذا ليس سيناريو خيال علمي، بل أحدث ما توصل إليه البحث الطبي مؤخراً، حيث اكتشف فريق صيني نوعاً خاصاً من السكريات، مصدره ميكروبات تعيش في أعماق المحيطات، قادر على إجبار الخلايا السرطانية على الانتحار بطريقة فريدة، وفي الوقت ذاته يحفّز جهاز المناعة لمهاجمة الورم بكل شراسة.
ما الذي يميز هذا الاكتشاف؟
بدأت قصة الاكتشاف عندما عكف باحثون من الأكاديمية الصينية للعلوم على دراسة بكتيريا بحرية من نوع سبونجيبكتير (Spongiibacter)، ليكتشفوا أنها تنتج مركباً سكرياً معقداً يسمى EPS3.9، مكوّن أساساً من المانوز والجلوكوز. هذا المركب لا يتوقف عند سميته ضد الخلايا السرطانية وحسب، بل يتسبب بنوع خاص من موت الخلايا يسمى "البيروپتوسيس" – وهي آلية موت خلايا مبرمج يصاحبها التهاب حاد، وكأن الخلية لا ترحل بهدوء، بل تحترق وتطلق إشارات استغاثة للجهاز المناعي كي يتدخل. ويربط ذلك بين أحد أهم اتجاهات أبحاث علاج الأورام اليوم وبين فهم دور السكريات الطبيعية في التحكم بمصير الخلية.
تتابع القصة أبعادها حين نعلم أن العلماء لم يكتفوا بدراسة الخلايا المعزولة في المختبر، بل اختبروا المركب الجديد على فئران مصابة بسرطان الكبد، فلاحظوا تباطؤ النمو السرطاني وتنشيطاً واضحاً لمناعة الجسم، بالضبط كما يحدث حين يُستثار جيش دفاع الجسم الداخلي ضد عدو خارجي شرس. اللافت في الأمر أن EPS3.9 يعمل مباشرة على خمسة أنواع من الدهون الفوسفورية في غشاء الخلية السرطانية، فيدفعها للانفجار الذاتي، في مشهد أشبه بكبسولة زمنيّة تُفجر من الداخل.
التعامل مع أمل جديد في علاج السرطان
ما يجعل هذا التطور ملفتاً أن "البيروپتوسيس" ليست مجرد طريقة لإزاحة السرطان من الجسم، بل تحوّله إلى مصدر إشارات التهابية تجذب خلايا المناعة، وهو مسار يختلف كلياً عن الطرق المعتادة مثل العلاج الكيماوي أو الإشعاعي، اللذان يعملان غالباً بشكل شامل وعنيف. وهنا يتضح لنا الترابط مع موجة جديدة في الأبحاث الطبية، تسعى ليس فقط لقتل الورم، بل لاستخدام جسم الإنسان نفسه كخط دفاع أول وأخير، عبر تحفيز الطرق الفطرية لمكافحة الخلايا الشاذة. هذا المدخل يشكّل تطوراً نوعياً في فهمنا لميكانيكيات الاستجابة المناعية ضد الأورام، ويربط بين العلم الأساسي وابتكار علاجات مستقبلية أكثر تخصيصاً وفعالية.
التحديات والطموحات القادمة
بالطبع تبقى هناك تحديات كثيرة يجب تجاوزها قبل الحديث عن تطبيق سريري وشيك. فعلى الرغم من النتائج المبهرة في التجارب على الفئران، يبقى نقل هذه التقنية إلى البشر رهيناً بمزيد من الدراسات والتحقق من سلامتها وفعاليتها في الجسم البشري. هنا تتلاقى طموحات الأوساط العلمية مع ضرورات الحذر الصارم، لأن المسافة بين الفكرة المبهرة وسرير المريض قد تطول أو تتعثر. ورغم حماسة كتابة الأخبار العلمية للاكتشافات الثورية، إلا أننا نحتاج لجرعة واقعية عند تقييم ما يمكن أن يعتمد عليه علاج آلاف المرضى في المستقبل.
مسار البحث العلمي في حقل علاج السرطان غالباً ما يصطدم بمخاوف بشأن مصالح صناعات الدواء الضخمة، وأحياناً تشاؤم متجذر وسط المرضى والمجتمع حول مصير مثل هذه الاكتشافات الرائدة. ومع ذلك، يتفق الخبراء أن الاستثمار في فهم وتطوير مركبات طبيعية كهذه يمثل أحد مفاتيح المستقبل في حرب الإنسانية مع السرطان. فما أن نضبط المصطلحات العلمية في مكانها الصحيح – كأن نصف البيروپتوسيس مثلاً بـ"الانفجار الذاتي الالتهابي" بدلاً من "موت الخلايا العنيف" – حتى نجد أنفسنا أقرب لفهم إمكانيات هذا المسار الجديد، وأكثر قدرة على التواصل العلمي مع القارئ المتعطش للمعرفة الأحدث.
خلاصة واعدة رغم الحذر
لعله من المبكر التواؤل باعتماد سكريات أعماق المحيط كعلاج معتمد ضد السرطان، لكن الاكتشاف الأخير يفتح الباب أمام عصر جديد من العلاجات المناعية الذكية، حيث تتداخل العلوم البيولوجية مع كنوز البحار غير المستكشفة بالكامل. ربما يكون الطريق طويلاً أمام EPS3.9 ليجد مكانه في عيادات العلاج، ولكن من المؤكد أننا بحاجة لمزيد من التركيز على دقة المصطلحات وتبسيطها، بل وزيادة الترابط بين فقرات المادة العلمية لجعل القارئ يعيش الحدث عن قرب. أحياناً، تغيير كلمة واحدة أو توسيع ربط الأفكار كفيل بأن يجعل خبر اليوم مساحة أمل حقيقية لنا جميعاً.