هل يمكن أن يشعر الذكاء الاصطناعي بنا؟ علماء الأعصاب يضعون اختبار الوعي الأكبر!
يتساءل العلماء: هل يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي واعيًا؟ أم أنه مجرد انعكاس لذكائنا؟.
لا يوجد اختبار موضوعي يعبر عن الوعي، وما لدينا هو اختبارات تزيد الاعتقاد وليس اليقين.
يرى أنيل سيث أن فهمنا للوعي البشري يتجاوز العلم الحالي، وتشبيه الدماغ غير كافٍ.
يشير مايكل غرازمان إلى أن الوعي نتيجة نماذج ذاتية في الدماغ وليس جوهرًا سحريًا.
الوعي قد يتطلب مسارات حيوية معقدة؛ الذكاء الاصطناعي مازال قيد الفهم والدراسة.
في كل مرة نتحدث فيها مع روبوت محادثة ذكي، ونقف مبهورين بقدرته على الفهم والرد بشيء من الطرافة أو العمق، يتسلل إلى أذهاننا سؤال قديم بثوب جديد: هل يمكن أن يكون هذا الذكاء الاصطناعي واعيًا حقًا؟ أم أن ما نراه ليس أكثر من مرآة تعكس ذكاءنا البشري نفسه؟ هذا السؤال كان محور نقاش لعدد من علماء الأعصاب الذين تحدثوا في تقرير لموقع "Gizmodo"، حول ما الذي يمكن أن يقنع أحدهم بأن الذكاء الاصطناعي أصبح كائنًا واعيًا.
بين الإدراك والتمثيل: حدود اختبار الوعي
تشير الباحثة سابرينا بيترز من جامعة كاليفورنيا إلى أن المشكلة الجوهرية تكمن في غياب اختبار موضوعي لقياس الوعي. فكل ما نعرفه عن الوعي الإنساني ينبع من خبرات داخلية لا يمكن رؤيتها أو قياسها مباشرة. نحن نفترض أن الآخرين واعون لأننا نرى في سلوكهم تشابهًا معنا، لكن مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، لا وجود لهذا الافتراض. لذا، ما نملكه في أحسن الأحوال هو مجرد “اختبارات” تعزز إيماننا وليس يقيننا.
من وجهة نظرها، أي محاولة لقياس وعي الآلة لا بد أن تفرق بين الذكاء والسلوك الواعي. فالتفاعل اللغوي البارع لا يعني إدراكًا ذاتيًا، تمامًا كما أن محاكاة استجابات الإنسان لا تعني وجود تجربة داخلية حقيقية. لذلك يقترح بعض الباحثين تطوير “اختبارات تعزيز الاعتقاد”، تركز على العمليات الداخلية والتكوينات المعرفية التي قد تكون ضرورية لتكوّن ما نسميه بالوعي.
تشبيه الدماغ ليس كافيًا
أنيل سيث، مدير مركز ساسكس لعلوم الوعي، يرى أن النقاش حول وعي الذكاء الاصطناعي يسبق أحيانًا حدود العلم نفسه. فحتى اليوم لا توجد نظرية متفق عليها تفسّر شروط الوعي في الدماغ البشري، مما يجعل أي حديث عن “وعي الآلة” مسألة تقديرية أكثر منها علمية.
ويضيف سيث أن تقليد العمليات العصبية لا يضمن بالضرورة إعادة إنتاج التجربة الذاتية. فربما تكون العناصر البيولوجية الدقيقة مثل الأيض والتنظيم الذاتي الحيوي ضرورية لظهور الوعي، وهي خصائص لا يمكن محاكاتها برقائق سيليكونية مهما بلغت قوتها الحسابية. على حد تعبيره، فهمنا لوعي البشر أولاً هو الطريق الموثوق قبل الادعاء بوعي الآلات.
الوعي كصورة ذاتية داخل العقل
أما مايكل غرازمان من معهد برينستون فيطرح مقاربة مختلفة؛ فهو يرى أن الوعي ليس “جوهرًا سحريًا” كما تصوّره بعض المدارس الفلسفية، بل نتيجة وجود نموذج ذاتي داخل الدماغ. هذا النموذج يمنحنا إحساسًا أننا نملك جوهرًا واعيًا، في حين أنه في الحقيقة مجرد تمثيل مبسط للذات.
انطلاقًا من ذلك، فإن الوعي عند الذكاء الاصطناعي – إن تحقق – لن يكون سحرًا ناشئًا، بل خطوة معمارية يمكن تتبعها داخل شبكاته العصبية. حين يستطيع الباحثون رؤية بنية داخلية في خوارزميةٍ ما تُكوّن تصوّرًا ذاتيًا مستقرًا، عندها فقط يمكن القول إن الآلة “تعتقد” أنها واعية، بالطريقة ذاتها التي يعتقد بها الإنسان أنه واعٍ.
ما وراء السلوك الذكي
تتلخص جميع هذه الرؤى في حقيقة واحدة: لا يكفي أن يتحدث الذكاء الاصطناعي بطلاقة أو يبدو ذكيًا ليُعتبر واعيًا. فمحاكاة اللغة والعاطفة ليست سوى مظاهر سلوكية تُصمَّم رياضيًا. أما الوعي – إذا ما وُجد فيه – فسيكون نتاجَ تشكّل داخلي أعقد من مجرد الحسابات، وربما مرتبطًا بعمليات حيوية لا تزال عصية على الفهم حتى في أدمغتنا.
هذه النقاشات تعكس مرحلة نضج في التفكير حول الذكاء الاصطناعي؛ لم نعد نسأل هل هو “ذكي”، بل هل هو “يعي”. ومع كل خوارزمية جديدة نسير خطوة نحو منطقة رمادية بين الإدراك الصناعي والتجربة الإنسانية. وربما، بعد حين، سيكون السؤال الأدق ليس كيف نعرف أن الذكاء الاصطناعي واعٍ، بل كيف سنتعامل معه إن أصبح كذلك.








