مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تلتهم ذاكرة وتخزين العالم وتدفع بأسعار التقنية نحو أزمة قد تمتد لعشر سنوات

3 د
ارتفعت أسعار وحدات التخزين عالميًا بسبب الطلب المتزايد من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
تجاوزت زيادة أسعار وحدات Western Digital وSamsung 990 Pro نسبة 40٪.
واجه السوق نقصًا في الأقراص الصلبة Nearline HDD مما زاد الضغط على NAND.
تشير تقارير إلى استهلاك OpenAI للذكاء الاصطناعي لنحو 40٪ من الإنتاج الشهري للرقاقات.
تمثل ارتفاع الأسعار عبئًا جديدًا على المستخدمين والمطورين المستقلين.
ارتفعت مؤشرات أسعار الذاكرة والتخزين حول العالم بشكل حاد مع نهاية 2024، مدفوعة بالطلب المتزايد من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. تقارير متخصصة حذّرت من أن هذا الارتفاع لن يكون عابرًا، بل يهدد بحدوث "أزمة أسعار" قد تطول حتى العقد المقبل إذا استمرت دوامة الطلب الراهن داخل صناعة أشباه الموصلات.
تحول جذري في دورة الذاكرة العالمية
الزيادة المفاجئة في الأسعار تأتي بعد عامين من أدنى مستويات سعرية تاريخية شهدتها شرائح NAND وDRAM، حين كانت وحدات SSD تباع بأقل من أسعار الأقراص الصلبة التقليدية. غير أن الانعكاس بدأ مطلع 2024 مع انخفاض الإنتاج وعودة الطلب الكثيف من الشركات المزوّدة للبنية التحتية السحابية ومشروعات الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق.
نتيجة لذلك، ارتفعت أسعار وحدات التخزين الفائقة مثل Western Digital SN850X وسلسلة Samsung 990 Pro بما يتجاوز 40٪ خلال فترات قصيرة. في المقابل، توقفت المصانع جزئيًا عن إنتاج DDR4 لصالح خطوط DDR5 وHBM الأعلى ربحية، وهو ما ترك السوق الاستهلاكي بمخزون محدود وأسعار متصاعدة.
- توقّف التوسّع في إنتاج NAND بعد قرارات خفض النفقات في 2023.
- تحويل معظم الاستثمارات إلى ذاكرة HBM الموجهة لوحدات معالجة الذكاء الاصطناعي.
- زيادة تكاليف إنشاء المصانع الجديدة، خصوصًا في الولايات المتحدة وآسيا.
- ارتفاع الطلب على أقراص HDD الخاصة بمراكز البيانات بعد موجة التحول إلى التدريب السحابي.
"سوق الذاكرة يعيش أكبر انكماش للإمدادات منذ عقد.. قد يستمر هذا الوضع لعشر سنوات إن لم تُضَخّ استثمارات جديدة"، صرّح بها مسؤول في Phison Electronics.
الذكاء الاصطناعي يبتلع السوق من الطرفين
لم تقتصر الأزمة على ذاكرات الوصول العشوائي، بل امتدت إلى الأقراص الصلبة المستخدمة لتخزين البيانات الدافئة في مراكز التدريب. تقارير من TrendForce تشير إلى شحٍّ في معروض الأقراص «Nearline HDD» المخصصة للبيانات الضخمة، ما دفع بعض الشركات إلى استبدالها بوحدات SSD عالية الكثافة رغم فارق الكلفة الكبير، مما فاقم الضغط على سلاسل توريد NAND.
خلال الأشهر الماضية، رصد مراقبون اتفاقات طويلة الأجل بين عمالقة الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI وشركات الذاكرة الكورية لتأمين ملايين الرقاقات شهريًا. مثل هذه العقود تُظهر كيف تغيّر ميزان القوة في السوق: من المصنعين إلى المشترين الكبار الذين يضمنون مواردهم قبل سنوات.
بحسب تقديرات صناعية، عقود درام OpenAI وحدها ستستهلك نحو 40٪ من الإنتاج العالمي الشهري، ما يترك بقية القطاعات في سباق محموم على الباقي.
انعكاسات على المستهلكين وصنّاع الأجهزة
هذا التحول ينعكس مباشرة على المستخدم النهائي. فبعد أن كانت ترقية التخزين أسهل وأرخص الخيارات أمام محبّي الأداء، أصبحت أسعار وحدات SSD وذواكر DRAM تشكّل عبئًا جديدًا على هواة التجميع والمطورين المستقلين. حتى مشاريع صغيرة مثل Raspberry Pi أعلنت رفع أسعار وحداتها المزودة بذاكرة مضاعفة بنسبة 120٪ مقارنة بالعام الماضي.
- زيادة تقريبة بنسبة 5–10٪ في أسعار الأقراص الصلبة التقليدية منذ أبريل 2024.
- ارتفاع وحدات DDR4 المخصصة للحواسيب المكتبية بأكثر من الثلث خلال ثلاثة أشهر.
- تحول بعض الموردين إلى نموذج “الحجز المسبق”، ما يعني أن السوق لم يعد مفتوحًا كما كان.
الملفت أن الشركات لا تعجّل بتوسيع الإنتاج رغم الأرباح الكبيرة؛ إذ علِمت من تجارب الماضي أن أي اندفاع في بناء المصانع ينتهي بانهيار الأسعار مجددًا. لذا يتوقع محللون أن يظل التوازن لصالح المصنعين خلال العامين القادمين على الأقل، مع استمرار الطلب الناتج عن ابتكارات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي وأنظمة المحاكاة السحابية.
مستقبل الذاكرة بين دورة الطلب والخوف من الفقاعة
السوق يعيش مفارقة واضحة: نمو الذكاء الاصطناعي يغذي أرباح الصناعة، لكنه قد يخلق هشاشة هيكلية إن تراجعت الاستثمارات أو انخفضت شهية الممولين للمخاطرة. ومع ارتفاع تكاليف إنشاء مصانع الرقائق واشتداد القيود الجيوسياسية على التوريد من الصين وتايوان، يبدو أن فترة "الوفرة" التي اعتادها المستخدم لن تعود سريعًا.
في النهاية، سيُختبر توازن السوق بين منطق الوفرة ومقتضيات الندرة. قد يأتي الإنقاذ حين تتجه الشركات إلى تحسين استهلاك الطاقة والذاكرة في خوادم التدريب بدل إضافة المزيد من السعة. أما إلى أن يتحقق ذلك، فربما يكون أكثر ما يحتاجه العالم الآن هو ذاكرة... لتذكر دروس الدورات السابقة.