ذكاء اصطناعي

أمازون وغوغل تستأذنان إنفيديا قبل كشف رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما

مصطفى يسري
مصطفى يسري

3 د

تُظهر أمازون وغوغل نفوذاً لإنفيديا بإبلاغ الرئيس التنفيذي عند تطوير رقائق جديدة.

تعتمد خدمات السحابة من أمازون وغوغل بشكل كبير على رقائق إنفيديا.

تستثمر إنفيديا بشكل استراتيجي في شركات مرتبطة بسلسلة الإمداد لضمان الهيمنة.

تعتبر إنفيديا محوراً للذكاء الاصطناعي، مما يجعل المنافسة تتعامل معها بحذر.

تتكشف أحياناً تفاصيل صغيرة لكنها تعكس واقعاً كبيراً. تقرير جديد كشف أن شركتين عملاقتين مثل أمازون وغوغل لا تقدمان على الإعلان عن رقائقهما الداخلية للذكاء الاصطناعي إلا بعد إخطار جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا. هذه الخطوة غير المألوفة تعكس حجم النفوذ الذي لا تزال تتمتع به إنفيديا داخل صناعة الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.

المسألة لا تتعلق بمجرد مجاملة بروتوكولية، بل تكشف عن ديناميكية القوة بين مزوّدي البنية التحتية السحابية ومُصنّع الرقائق الأكثر تأثيراً في السوق. فبينما يسعى عملاقا التكنولوجيا إلى تطوير معالجات خاصة تخفف من اعتمادهم على إنفيديا، تبقى وحدات معالجة الرسوميات الخاصة بها العمود الفقري لتدريب النماذج اللغوية الضخمة وتشغيل التطبيقات التنبؤية.


إنفيديا: اللاعب الأقوى في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي

بحسب التقرير، تعتمد منصات أمازون السحابية (AWS) وخدمتها المنافسة من غوغل (Google Cloud) بشكل كبير على رقائق إنفيديا. هذا الارتباط يجعل أي خطوة أحادية أو مفاجئة محفوفة بالمخاطر، إذ قد يؤثر على إمكانية الوصول إلى الإمدادات أو على العلاقة التجارية الحساسة مع إنفيديا. ولهذا تفضّل الشركتان إبلاغ هوانغ مسبقاً قبل الإعلان عن معالجات مطوّرة داخلياً مثل "Tensor Processing Units" في حالة غوغل أو شرائح "Trainium وInferentia" لدى أمازون.

وهنا يظهر جانب آخر من القصة: إنفيديا لا تكتفي ببيع المعالجات، بل باتت تضخ استثمارات مليارية في شركات مرتبطة بسلسلة الإمداد، سواء مورّدين أو منافسين أو حتى عملاء مباشرين. وهذا يربط بين موقعها كلاعب أساسي اليوم وبين طموحاتها طويلة المدى لتأمين سيطرة شبه مطلقة على السوق.


استثمارات استراتيجية بمليارات الدولارات

خلال الأشهر الماضية عقدت إنفيديا صفقات مذهلة: شراء قدرة معالجة من CoreWeave بقيمة قد تصل إلى 6.3 مليار دولار، استثمار 700 مليون دولار في شركة ناشئة بريطانية متخصصة في مراكز البيانات، واستحواذ على كفاءات أساسية من شركة Enfabrica مقابل أكثر من 900 مليون دولار. كما كشفت تقارير عن استثمار ضخم في أسهم إنتل لدعم تطوير شرائح جديدة، إلى جانب تفاهمات مع OpenAI لبناء مركز بيانات هائل للطاقة الحاسوبية قد تصل تكلفته إلى مئة مليار دولار.

هذه الخطوات ليست مجرد توسع عشوائي، بل تعكس محاولة استباقية لإغلاق أي ثغرة أمام منافسين محتملين يعتمدون على تسريع الحوسبة غير المبني على وحدات الرسوميات. ومن هنا نفهم لماذا تبقى الشركات المنافسة، مهما ضخّت من أموال في تطوير السيليكون الخاص بها، مضطرة للحفاظ على علاقات طيبة مع إنفيديا.


شبكة نفوذ تمتد عبر الصناعة

تقرير صحيفة The Information أشار إلى أن إنفيديا أصبحت بمثابة "الظهير المالي" لسلسلة إمداد الذكاء الاصطناعي. فهي لا تكتفي ببيع العتاد، بل تؤمّن تمويلاً، وتستأجر القدرة الحسابية، وتبرم اتفاقات طويلة الأمد تجعل من الصعب على أي طرف التخلي عنها كلياً. هذه الاستراتيجية تجعل العملاء الكبار، مثل أمازون وغوغل، مترددين في إغضابها حتى إذا كانت لديهم طموحات لتقليل الاعتماد عليها.

ذو صلة

وبهذا المعنى، اتصال أمازون وغوغل بهوانغ قبل الإعلان عن رقائقهما الجديدة لا يعكس ضعفاً تقنياً بقدر ما يعكس احتراماً لمعادلة النفوذ في سوق حساس. وهذا يربط بين الحاضر الذي تهيمن فيه إنفيديا على سلسلة القيمة، والمستقبل الذي قد تشهد فيه الصناعة بروز بدائل قوية.

المشهد الحالي يظهر أن إنفيديا ليست مجرد مورّد رقائق، بل محور كامل يدور حوله قطاع الذكاء الاصطناعي العالمي. أمازون وغوغل رغم امتلاكهما مورِّدين داخليين، ما زالتا تتعاملان مع رئيس إنفيديا بحذر شديد، إدراكاً منهما بأن أي خطوة غير محسوبة قد تُعرّض بنيتهما التحتية للاضطراب. وغالباً ما يظل هذا التوازن قائماً إلى أن ينجح أحد المنافسين في كسر هيمنة إنفيديا أو بناء منظومة بديلة بنفس الكفاءة. وحتى يحين ذلك، تبقى الكلمة العليا بيد الشركة التي تحوّلت من مجرد مصنع لوحدات الرسوميات إلى عصب الاقتصاد الرقمي الجديد.

ذو صلة