ذكاء اصطناعي فائق يستكشف العالم بعمق مع تقنيات النمذجة الفورية

3 د
أطلقت جوجل إطار "TTD-DR" يعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنتاج تقارير بحثية.
يعتمد النظام على ثلاث مراحل أساسية لتوليد تقارير متماسكة بجودة عالية.
حقق النظام تفوقاً بنسبة 74.
5% في اختبارات مقارنة مع أنظمة أخرى.
يتمتع TTD-DR بفعالية زمنية أفضل في تحسين جودة التقارير.
يعكس الإطار رؤية جديدة في بناء وكلاء بحثية عبر التطوير الذاتي.
أعلنت جوجل عبر مدونتها البحثية عن إطار جديد للباحثين يعتمد على الذكاء الاصطناعي تحت اسم "Test-Time Diffusion Deep Researcher" أو اختصارًا TTD-DR، وذلك بتاريخ 19 سبتمبر 2025. يأتي هذا الإعلان ليشكّل محطة مهمة في تطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي القادرين على إنتاج تقارير بحثية طويلة ومعقدة بجودة عالية، عبر محاكاة الطريقة البشرية في التخطيط والكتابة وإعادة الصياغة على مراحل متكررة.
محاكاة البحث البشري عبر مراحل متعاقبة
تعتمد معظم الوكلاء البحثية الحالية على تقنيات مثل السلاسل المنطقية (Chain-of-Thought) أو تقديم عدة إجابات ثم اختيار الأفضل. غير أن منهجية TTD-DR تضيف البعد المفقود في هذه التجارب، إذ تنظر إلى عملية إنتاج التقرير البحثي باعتبارها "عملية انتشار" (Diffusion) تبدأ بمسودة أولية مليئة بالثغرات، ثم تُنقّى تدريجيًا بالبحث والاستدلال، تمامًا كما يفعل الباحث البشري عند مراجعة ورقة علمية.
الفريق أوضح أن النموذج يعمل بثلاث مراحل أساسية:
- إعداد خطة بحثية تفصيلية تكون بمثابة خارطة طريق.
 
- توليد أسئلة بحثية فرعية واستخدام أنظمة استرجاع معزز بالمعرفة (RAG) لتجميع الأجوبة وصياغتها.
 
- دمج الأجوبة والمعلومات المتراكمة لصياغة تقرير نهائي متماسك.
 
ولزيادة الفاعلية، أضافت جوجل خوارزمية "تطور ذاتي" تساعد كل مرحلة على تحسين مخرجاتها عبر تكرار التقييم والتغذية الراجعة. إلى جانب ذلك، تلعب مرحلة "إزالة الضوضاء عبر البحث" دورًا محوريًا في تحويل المسودة الأولية إلى تقرير ثري بالمصادر والمعلومات الدقيقة.
تفوق ملحوظ في المقارنات المعيارية
اختُبر TTD-DR على عدة مجموعات بيانات معيارية مثل DeepConsult الخاصة بالتقارير الطويلة، ومجموعتي Humanity’s Last Exam وGAIA التي تتطلب استدلالًا متعدد الخطوات. وفي كل التجارب، حقق النظام نتائج أفضل من أنظمة بحث متقدمة أخرى، أبرزها OpenAI Deep Research، إذ سجل معدل تفوق بلغ 74.5% في مهام كتابة التقارير طويلة الأمد مقابل منافسه الرئيسي.
اللافت أن النموذج أظهر كذلك قدرة أعلى على الكفاءة الزمنية مقارنة بالبدائل، حيث بيّنت رسوم الأداء أن الجودة تتحسن بوتيرة أسرع عند نفس مستويات التأخير (Latency). وبحسب الورقة العلمية المنشورة رسميًا، فإن هذه المزايا تجعل TTD-DR أقرب إلى مساعد بحثي عملي يمكن الاعتماد عليه في البيئات المعقدة.
"المسودة الأولية ليست سوى بداية، والبحث المستمر هو الذي يحوّلها إلى تقرير ذي قيمة"، بحسب فريق جوجل السحابي المطوّر لـ TTD-DR.
انعكاسات أوسع على مستقبل أدوات الذكاء الاصطناعي
إطلاق TTD-DR لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق التنافسي بين كبار الشركات في بناء وكلاء بحثية متقدمة. فمن ناحية، يعكس هذا التوجه إدراكًا بأن تقديم إجابة سريعة لم يعد كافيًا، بل المطلوب هو إنتاج تقارير مطوّلة متماسكة تصلح كوثائق بحثية حقيقية. ومن ناحية أخرى، يوضح أن الاستثمار في آليات التطوير الذاتي (Self-evolution) وإزالة الضوضاء بالاسترجاع (Denoising with Retrieval) قد يصبح معيارًا أساسيًا في تصميم وكلاء البحث المقبلة.
بالنسبة للأكاديميين والممارسين في مجالات متعددة، فإن هذا التطور قد يعني توفر أدوات مساعدة قادرة على تسريع إنجاز البحوث دون التضحية بالدقة أو الترابط المفاهيمي. إلا أن ذلك يطرح تحديات أخلاقية وأسئلة عن حدود الاعتماد على أنظمة آلية في إنتاج المحتوى العلمي، خصوصًا مع الزيادة المتسارعة في أتمتة الكتابة والبحث. ومن المرجّح أن نشهد في المرحلة القادمة سباقًا جديدًا بين الشركات لتقديم منصات بحثية أكثر تكاملاً، على غرار ما رأيناه سابقًا مع دخول نماذج اللغة الكبيرة في مجالات أخرى مثل نماذج الاستدلال المتقدمة من OpenAI.
في النهاية، يبدو أن الرهان الحقيقي لا يقتصر على رفع الدقة أو السرعة فحسب، بل على إعادة تشكيل الطريقة التي يفكر بها الذكاء الاصطناعي في عملية البحث نفسها. وإذا أثبتت هذه المقاربة نجاحها الواسع، فقد نكون أمام نقلة نوعية تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمعرفة في عصر الوكلاء الذكيين.









