الذكاء الاصطناعي أمام حاجز الإنجاز العلمي: ما الذي يمنع تحقيق الطفرة المنتظرة؟

3 د
أثار توماس وولف جدلاً حول قدرة النماذج مثل ChatGPT على إحداث اكتشافات علمية.
يرى وولف أن هذه النماذج تعتمد على التنبؤ بالكلمات، مما يحد من توليد أفكار غير متوقعة.
يشير وولف إلى دور الذكاء الاصطناعي كمساعد في الأبحاث العلمية وليس كبديل للعلماء.
تراه شركات ناشئة فرصة لتطوير نماذج أكثر ابتكارًا تدعم الأبحاث المعقدة.
مثل هذه المناقشات تحفز التفكير في مستقبل أدوات الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي.
أثار توماس وولف، الشريك المؤسس لشركة Hugging Face المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، جدلاً واسعًا بتصريحاته الأخيرة التي قلّل فيها من قدرة النماذج الحالية - مثل ChatGPT - على إحداث "اختراقات علمية كبرى"، معتبرًا أن هذه الأدوات ستظل مساعدًا للباحثين بدل أن تكون هي صاحبة الاكتشاف. جاء ذلك في مقابلة حديثة نُشرت خلال أكتوبر 2025، وأشعلت نقاشًا بين خبراء التقنية والعلم حول حدود الذكاء الاصطناعي ومجالات استخدامه.
الفجوة بين التوقعات والواقع التقني
يأتي تصريح وولف في وقت تزداد فيه التوقعات حول دور الذكاء الاصطناعي في تسريع البحث العلمي. ففي حين يرى قادة شركات مثل OpenAI وAnthropic أن الذكاء الاصطناعي قد يضغط مسار التقدم العلمي لقرن كامل في عقد واحد فقط، يؤكد وولف أن آلية عمل هذه النماذج تمنعها من توليد أفكار "نادرة وغير متوقعة" على غرار تلك التي أنتجت ثورات علمية بحجم نظريات كوبرنيكوس.
المشكلة الأساسية، بحسب وولف، تكمن في أن هذه النماذج تستند إلى التنبؤ بالكلمة التالية في النصوص، أي أنها بطبيعتها تميل لتكرار المألوف أو الأكثر احتمالًا، بينما يقوم العلماء الكبار عادةً على تحدي السائد وتوليد أفكار تصادمية. ويُضاف إلى ذلك قابلية هذه النماذج لمجاراة المستخدم أو مجاملته، ما يقلل من نزعتها النقدية أو استقلاليتها.
الذكاء الاصطناعي كمساعد علمي لا كبديل
رغم النبرة الواقعية في تصريحاته، لم يُنكر وولف القيمة العملية للأدوات الذكية، ملمّحًا إلى أنها ستلعب دور "المساعد المخبري" للعلماء، مثلما فعلت تقنيات AlphaFold من Google DeepMind في تحليل البنى البروتينية وتسريع اكتشاف الأدوية. هذه القدرة على "ضغط" المهام المعقدة تبقى إضافة مهمة، لكن دون توقع أن يولّد الذكاء الاصطناعي أفكارًا مكافئة لاكتشاف بنية الحمض النووي أو نظرية النسبية.
- النماذج الحالية: مبنية على الإحصاء والتنبؤ بالكلمات.
- العلماء المبدعون: يدفعهم التساؤل والنقد وطرح الأفكار غير المتوقعة.
- الاستنتاج: الأدوات تخدم كبنية تحتية بحثية، لا كعقل مكتشف.
تزامن هذا النقاش مع صعود شركات ناشئة مثل Lila Sciences وFutureHouse، التي تراهن على تطوير نماذج أكثر ابتكارًا قادرة على إنتاج معرفة جديدة، وهو ما يفتح سباقًا موازيًا إلى جانب الشركات العملاقة.
تأثير الجدل على مستقبل البحث والابتكار
خلف هذه التصريحات يبرز سؤال جوهري حول موقع الذكاء الاصطناعي في المشهد العلمي: هل هو مجرد أداة تعجيل للخطوات البشرية، أم قادر مستقبلًا على قيادة مسارات نظرية بحتة؟ من الناحية التجارية، يشير كلام وولف إلى أن الشركات الناشئة لا تراهن بالضرورة على استبدال الباحث، بل على بناء أدوات دعم تخفض كلفة الوقت والموارد وتفتح الباب أمام أبحاث أكثر تعقيدًا.
هذا النقاش ليس بعيدًا عن الجدل العربي أيضًا، حيث يشهد قطاع التعليم والبحث خطوات مبكرة لاستثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما ظهر مع تجارب الجامعات والمراكز البحثية في المنطقة. ومن المتوقع أن يفتح مثل هذا الحوار العالمي مجالاً لإعادة التفكير: هل الأفضل الاستثمار في أدوات مضاعفة الإنتاجية، أم محاولة القفز مباشرة إلى أنظمة ذات "إبداع حقيقي"؟
"العالم لا يتنبأ بالكلمة التالية، بل يتنبأ بما هو غير متوقع… ومع ذلك حقيقي." - توماس وولف
مع استمرار الشركات في ضخ مليارات الدولارات في قطاع الذكاء الاصطناعي، قد يتحول الخلاف بين وولف وآلتمن إلى عامل توازن صحي: بين واقع الاستخدام كأداة دقيقة، وحلم التحول إلى عقل مستقل. وبين الاثنين، يبقى العلم المستفيد الأكبر طالما يتم توظيف التقنية بوعي ونقدية لا بمجرد اندفاع تسويقي.