أسرار تحذيرات صندوق النقد الدولي من الذكاء الاصطناعي ولماذا تثير الجدل الآن

3 د
حذر صندوق النقد الدولي من توسع الفجوة الرقمية بسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي.
أكدت كريستالينا جورجيفا أن تطور الذكاء الاصطناعي يهدد بتغيير خريطة القوى الاقتصادية.
استحدث الصندوق مؤشرًا جديدًا لتقييم جاهزية الدول في تبني الذكاء الاصطناعي.
أشارت المديرة العامة إلى ضرورة وضع قواعد أخلاقية وتنظيمية عادلة للذكاء الاصطناعي.
يشكل الافتقار للتنظيم تحديًا كبيرًا للدول النامية في الاستفادة من التحول الرقمي.
حذّر صندوق النقد الدولي من اتساع الفجوة الرقمية الناتجة عن سباق تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن العالم يفتقر إلى الأسس الأخلاقية والتنظيمية التي تضمن استفادة عادلة من هذا التحول التقني المتسارع. وأشارت المديرة العامة كريستالينا جورجيفا، خلال اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين في أكتوبر 2025، إلى أن الاقتصادات المتقدمة وحدها تقود المشهد بينما تظل الدول النامية متأخرة عن ركب التحوّل الرقمي.
الهيمنة التقنية تهدد التوازن الاقتصادي
أوضحت جورجيفا أن مخاطر الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على فقدان الوظائف أو زيادة الأتمتة فحسب، بل تمتد إلى إعادة ترسيم القوى الاقتصادية عالميًا. فبينما تستثمر شركات التكنولوجيا الأمريكية والصينية في تطوير النماذج الضخمة والتطبيقات المولّدة، تعجز اقتصادات الجنوب العالمي عن بناء بنية تحتية رقمية أو بيئات بحثية قادرة على المنافسة.
وأضافت أن الصندوق استحدث مؤشرًا جديدًا يُقيِّم جاهزية الدول لتبنّي الذكاء الاصطناعي عبر أربعة محاور: البنية التحتية، المهارات والقوى العاملة، الابتكار، والتنظيم والأخلاقيات. وأظهر المؤشر فجوة واضحة بين الدول ذات الدخل المرتفع ونظيراتها منخفضة الدخل، ما يهدد بتكرار أنماط عدم المساواة الرقمية التي رافقت الثورتين الصناعيتين السابقتين.
- الولايات المتحدة تتصدر في الاستثمارات البحثية وحصة الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي.
 
- الصين تقترب بخطى ثابتة بفضل التركيز على التصنيع الذكي والروبوتات.
 
- الدول النامية تفتقر للبنى الرقمية اللازمة لتدريب أو تشغيل النماذج المتقدمة.
 
- الاتحاد الأوروبي يركّز على الإطار التشريعي من خلال قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي.
 
فقاعة التفاؤل الاستثماري ومخاطر تباطؤ النمو
تأتي هذه التصريحات بعد أيام من تحذير المديرة العامة نفسها من تضخم تقييمات شركات التقنية إلى مستويات تشبه "فقاعة الإنترنت" مطلع الألفية، مشيرة إلى أن الاندفاع وراء مشاريع الذكاء الاصطناعي، دون أساس اقتصادي أو اجتماعي قوي، قد يؤدي إلى تصحيحات مالية قاسية. ورغم ارتفاع قيم شركات الذكاء الاصطناعي عالميًا بما يتجاوز تريليون دولار في عام واحد، إلا أن العائد الحقيقي على الإنتاجية ما زال محدودًا.
— كريستالينا جورجيفا – صندوق النقد الدولي
"العالم ما زال متأخرًا في وضع القواعد الأخلاقية والتنظيمية المناسبة، والبقاء على هذا الحال يعني التخلف عن الركب."
تأثير مباشر على الاقتصادات الناشئة
يشير هذا التحذير إلى أهمية بناء منظومات تعليم وتدريب رقمية موجهة نحو المستقبل. فمع دخول تقنيات مثل النماذج اللغوية المتقدمة ChatGPT‑5 ودمجها في الخدمات المالية والصناعية، يتضاعف خطر عزل القوى العاملة الأقل تأهيلاً تكنولوجيًا. وتبدو الحاجة ماسة لتبني سياسات وطنية تسعى إلى تطوير مهارات الذكاء الاصطناعي والتفكير الحسابي في المدارس والجامعات، بدل الاكتفاء بالاستهلاك التقني فقط.
في الوقت نفسه، يرى محللون أن مؤشرات صندوق النقد قد تساهم في دفع الحكومات إلى الاستثمار في البنية التحتية الرقمية كشرط للحصول على دعم تمويلي، شبيه بما حدث مع سياسات التحول الأخضر في العقود الماضية. غير أن التحدي الأبرز يتمثل في ضمان ألا يتحول "الذكاء الاصطناعي" إلى مصدر جديد لعدم المساواة، بل إلى أداة لبناء اقتصادات أكثر شمولًا وتنوعًا.
الذكاء الاصطناعي بين التنظيم والابتكار
تحدث هذه الموجة التحذيرية في لحظة فارقة، بعد أن أصبحت بعض الحكومات تسعى لسنّ تشريعات عاجلة تحكم تطوير النماذج التوليدية وتحديد مسؤولية البيانات. فبين الرغبة في الابتكار والخوف من الانفلات، يبدو أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من "الحوكمة التقنية" التي ستحدد مستقبل الثقة بين البشر والآلات.
يبقى السؤال: هل يمكن تأسيس نظام عالمي يوازن بين مكاسب الذكاء الاصطناعي ومخاطره دون تقييد حرية الابتكار؟ ما يجري اليوم ليس مجرد نقاش اقتصادي، بل لحظة لإعادة تعريف دور التقنية في حياة المجتمعات الحديثة، بين كفاءة الآلة وحدود الإنسان.









