ساتيا ناديلا يروي: بيل جيتس شبه استثمار مايكروسوفت في OpenAI بإشعال مليار دولار

3 د
استثمرت مايكروسوفت مليار دولار في "أوبن أي آي" رغم التحذيرات بالمخاطر.
تحولت أوبن أي آي من مؤسسة غير ربحية إلى نظام تجاري معقد.
تجاوزت نسخة ChatGPT مليون مستخدم في أيام قليلة وأصبح أداة أساسية.
رؤية ساتيا ناديلا للذكاء الاصطناعي كمكون أساسي يشبه الكهرباء.
التقنية ليست فقط منتجات بل اختبار دائم لخيال القادة ورؤيتهم.
في عام 2019، حين كانت الذكاء الاصطناعي لا يزال غامض الملامح خارج نطاق مختبرات البحث، واجه ساتيا ناديلا، المدير التنفيذي لمايكروسوفت، لحظة شكّ من داخل الشركة نفسها. كان يعلم أن المليار دولار التي ينوي استثمارها في شركة شابة تُدعى "أوبن أي آي" ليست مجرد رقم في ميزانية عملاقة، بل رهان على مستقبل مجهول. حتى بيل غيتس، المؤسس الشريك لمايكروسوفت، قال له ما يشبه التحذير: هذا المليار قد يُحرق بلا جدوى. اليوم، بعد ست سنوات، يبدو ذلك التحذير وكأنه مشهد من تاريخ تكنولوجي بعيد، إذ تحوّل ما كان مغامرة إلى صفقة من أكثر رهانات القرن ذكاءً.
من رهان محفوف بالمخاطر إلى عمود اقتصادي
عندما قررت مايكروسوفت ضخ استثمارها الأول في أوبن أي آي، كانت الأخيرة مؤسسة غير ربحية تسعى لتطوير ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر. لم تكن تملك منتجًا جماهيريًا ولا نموذجًا تجاريًا واضحًا. ومع ذلك، رأى ناديلا أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن تركه على أرصفة البحث الأكاديمي فحسب، بل يحتاج إلى قوة حوسبية هائلة وشراكة تُمكّنه من النمو بأمان ومسؤولية. هذا التفكير البعيد المدى هو ما غيّر شكل العلاقة بين شركات البرمجيات والتقنيات الناشئة لاحقًا.
الحدس الذي سبق السوق
في تلك السنوات، لم يكن أحد يتخيل أن أداة محادثة نصية ستجذب مئات الملايين أسبوعيًا، أو أن بيانات المستخدمين على تطبيق مجاني ستتحول إلى ذهب تدريب معرفي. الحدس الذي وجّه ناديلا كان أن الذكاء الاصطناعي سيتحول إلى طبقة تحتية أساسية مثل الكهرباء والإنترنت، وأن من يمسك بتلك الطبقة سيمتلك النفوذ التقني للجيل القادم. من هنا لم يكن الهدف مجرد استثمار مالي، بل توجيه مستقبل المنصات الرقمية عبر تعاونه الوثيق مع أوبن أي آي.
تحول أوبن أي آي… من مختبر إلى منظومة اقتصادية
عندما أطلقت أوبن أي آي نسخة ChatGPT عام 2022، بدت النتيجة وكأنها لحظة ولادة عامة للذكاء الاصطناعي التوليدي. خلال أيام، تجاوزت المنصة مليون مستخدم، لتصبح لاحقًا خدمة يعتمد عليها أكثر من 800 مليون أسبوعيًا. وبفضل دعم مايكروسوفت المالي والبنيوي، انتقلت أوبن أي آي من نموذج غير ربحي إلى كيان تجاري معقد يجمع بين الأبحاث الأساسية والمكاسب الاقتصادية، لتصبح مايكروسوفت اليوم المالك لـ27% من الشقّ الربحي للشركة، بقيمة تقدر بأكثر من 135 مليار دولار.
المعادلة الجديدة بين الرؤية والمخاطرة
تُظهر قصة هذا الاستثمار أن القرارات التقنية الكبرى لا تُقاس بالمخاطر وحدها، بل بمدى وضوح الرؤية حول الاتجاه القادم. بيل غيتس رأى حريقًا ماليًا محتملاً، بينما رأى ناديلا وقودًا لإشعال جيل جديد من الحوسبة الذكية. هذا الفارق في نظرة الزمن هو ما يصنع الفارق بين من يحافظ على الإرث ومن يعيد صياغته.
ما وراء الأرقام: درس في فلسفة التقنية
وربما أهم ما يمكن أن نستخلصه من هذه القصة أن التقنية الحديثة ليست سباقًا للمنتجات فحسب، بل اختبار دائم لخيال القادة وقدرتهم على رؤية المجهول بعين براغماتية. مايكروسوفت لم تشترِ نموذجًا للذكاء الاصطناعي؛ بل اشترت زمنًا، ووسّعت حدود المستقبل ليشملها. وفي زمن تتسارع فيه أدوات الذكاء الصناعي لتعيد تعريف العمل والإبداع، يبدو أن الجدل حول ذلك “المليار المحترق” كان في حقيقته شرارة لبداية جديدة.









