ذكاء اصطناعي

اتفاق تاريخي بين سام ألتمان ورائد الحوسبة الكمية يمهد لمستقبل جديد في اختبار تورينج

مصطفى يسري
مصطفى يسري

3 د

سام ألتمان وديفيد دويتش يتفقان على معيار جديد لتقييم الذكاء الاصطناعي العام.

"اختبار تورنغ 2.

0" يشترط حل الذكاء الاصطناعي لمعضلة "الجاذبية الكمومية".

المعيار الجديد يركز على الإبداع والقدرة على "خلق المعرفة" بدلاً من المحاكاة السطحية.

الذكاء الاصطناعي مطالب بخطوة تتجاوز البيانات إلى مساهمات علمية حقيقية ومبتكرة.

الإعلان الجديد يعيد ترتيب معايير المنافسة على الذكاء الاصطناعي العام.

أثار لقاء علني في برلين اهتمام مجتمع التقنية حين اتفق سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، وعالم الفيزياء البريطاني ديفيد دويتش، المعروف بلقب "أب الحوسبة الكمومية"، على معيار جديد للحكم على وصول الذكاء الاصطناعي إلى مستوى "العقل البشري". جاء الاتفاق خلال جلسة حوارية استضافتها مجموعة أكسل شبرينغر، حيث طُرح "اختبار تورنغ 2.0": إذا تمكن نموذج ذكاء اصطناعي من حل معضلة "الجاذبية الكمومية" وتفسير منهجه بوضوح، فسوف يرقى ذلك إلى مستوى إثبات حقيقي للذكاء العام الاصطناعي.


لماذا الجاذبية الكمومية أصبحت مقياسًا جديدًا للذكاء العام؟

منذ منتصف القرن العشرين، ارتبط تقييم الذكاء الاصطناعي بما يُعرف بـ"اختبار تورنغ" التقليدي، أي قدرة الآلة على محاكاة محادثة بشرية دون اكتشاف الفرق. إلا أن تطورات النماذج اللغوية مثل ChatGPT أثبتت محدودية ذلك المعيار، إذ باتت البرامج قادرة على إجراء حوارات مطولة دون أن تكون بالضرورة عاقلة أو مبدعة بالمعنى البشري.

في هذا السياق، أوضح دويتش أن الذكاء الحقيقي لا يكمن في ترديد كم كبير من المعلومات، بل في "خلق المعرفة" عبر رصد المشكلات وصياغة حلول جديدة لها. ضرب مثالًا بنظرية النسبية لأينشتاين التي لم تكن مجرد تجميع للأفكار السائدة، بل نتاج مسار معرفي أصيل يعكس قصة تفكير واختبار وتطوير.

  • النماذج الحالية مثل GPT تستطيع المحادثة - لكن بلا وعي أو نية علمية.
  • المقياس الجديد يركز على القدرة الإبداعية في البحث العلمي.
  • إثبات صدقية النموذج يتطلب رواية "القصة" وراء اكتشافه، لا النتيجة وحدها.

ديفيد دويتش

"لو قدّم الذكاء الاصطناعي تفسيرًا متكاملًا للجاذبية الكمومية، سيكون ذلك كافيًا لاعتباره عقلًا عامًّا".


انعكاسات المعيار الجديد على سباق الذكاء الاصطناعي

هذا الاتفاق غير الرسمي بين ألتمان ودويتش يعكس تحولًا مهمًا في الجدل الدائر. بدلاً من التركيز على المحاكاة السطحية للإنسان، يتم توجيه بوصلة النقاش نحو قدرة الذكاء الاصطناعي على المساهمة في المعرفة البشرية ذاتها. مثل هذا التحول قد يضع المطورين أمام تحديات أعقد من مجرد زيادة حجم البيانات أو سرعة التدريب.

كما يشكل الطرح جسرًا بين رؤيتين متباينتين: الأولى، ممثلة في نهج ألتمان الذي يراهن على التوسع في الحجم والبيانات سعياً وراء الذكاء العام، والثانية في رؤية دويتش التي تؤكد أن "الكم وليس الكيف" سيظل عقبة أمام تحوّل النماذج اللغوية إلى عقول حقيقية. التلاقي في نقطة "الجاذبية الكمومية" يرمز إلى محاولة العثور على أرضية مشتركة لاختبار حاسم يُرضي الطرفين.

من الناحية العملية، لا يبدو أن أي نموذج لغوي قريب من تحقيق هذا الإنجاز - فالمعضلة نفسها لا يزال العلماء يعملون على فك ألغازها منذ عقود. ومع ذلك، فإن مجرد إعلان هذا المعيار يرفع سقف التطلعات، ويعيد ترتيب معايير المنافسة بين شركات الذكاء الاصطناعي التي باتت تبحث عن إثباتات حقيقية تتجاوز الانبهار الجماهيري بالمحادثات والواجهات البراقة.

يمكن الاطلاع على التفاصيل الكاملة للقاء عبر بث الفيديو الذي نشرته المنصة المنظمة.


من اختبار تورنغ إلى اختبار الاكتشاف

ذو صلة

ما بين اختبار تورنغ الذي شغل الأوساط لأكثر من نصف قرن، والمقياس الجديد الذي يربط الذكاء الاصطناعي بقدرة على فتح نافذة علمية جديدة، يبدو أن السؤال الجوهري تغيّر: لم يعد عن "مدى قدرة الآلة على خداع الإنسان"، بل عن "مدى قدرتها على تقديم معرفة لم يكن لديها سلف بشري مباشر". هذه النقلة تضع الذكاء الاصطناعي في مواجهة مقياس أكثر صرامة وأقرب إلى جوهر العقل البشري: القدرة على الاكتشاف.

يبقى السؤال مفتوحًا حول إن كان الذكاء الاصطناعي سيسبق العلماء البشر في تقديم إجابة فعلية عن الجاذبية الكمومية، أم أن طرح هذا الشرط مجرد إشارة رمزية إلى أن معايير عصر الذكاء الاصطناعي لا يجب أن تكتفي بالمحاكاة، بل تتجه نحو الإبداع العلمي. في كلتا الحالتين، فإن النقاش يعكس إدراكًا متزايدًا بأن السباق نحو الذكاء العام يختبر حدود العلم ذاته بقدر ما يختبر حدود التكنولوجيا.

ذو صلة