ذكاء اصطناعي

أوبر تطلق فرصة فريدة للسائقين: ساعد في تطوير الذكاء الاصطناعي خلال أوقات الانتظار

مصطفى يسري
مصطفى يسري

3 د

أطلقت أوبر برنامج "المهام الرقمية" للسائقين في الولايات المتحدة لتحقيق إيرادات إضافية.

تسمح أوبر للسائقين بجمع بيانات الذكاء الاصطناعي أثناء انتظارهم الطلبات.

تفتح هذه التجارب حول الاقتصاد الرقمي أسئلة حول العدالة في استغلال بيانات البشر.

تكشف أوبر كيف يتحول الانتظار إلى رأس مال رقمي يربط البشر بالتكنولوجيا الحديثة.

البرنامج يساهم في تطوير الذكاء الاصطناعي عبر استغلال وقت السائقين ومساهمتهم ببياناتهم.

في شوارع المدن المزدحمة، حيث ينتظر سائقو أوبر رحلتهم التالية في هدوء محركات سياراتهم، يطلّ مشروع جديد يحمل مفهوماً مختلفاً تماماً للعمل. لم تعد المسألة مجرد نقل ركاب أو توصيل وجبات، بل فتح باب رقمـي جديد: تدريب الذكاء الاصطناعي بينما ينتظر السائق طلبه القادم. خطوة غريبة وحالمة في آن، تكشف كيف ترى الشركة مستقبل العمل والبيانات والوقت البشري.


الذكاء الاصطناعي يدخل مقاعد الانتظار

تجرب أوبر برنامجاً تجريبياً في الولايات المتحدة أطلقت عليه اسم «المهام الرقمية»، يسمح للسائقين بالمشاركة في أنشطة قصيرة عبر تطبيقهم مثل تسجيل مقاطع صوتية أو رفع صور، مقابل مبالغ رمزية قد تتراوح بين نصف دولار ودولار للمهمة الواحدة. الهدف الظاهر هو تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التي تطورها الشركة لتغذية قسمها المتخصص في حلول البيانات. لكن ما يبدو كفرصة جديدة للعمل هو في الحقيقة نافذة تكشف عن انتقال أوبر من شركة تنقل الأشخاص إلى شركة تجمع البيانات وتبني بها ذكاءها الخاص.


من العمل الميداني إلى العمل الرقمي

لفهم عمق هذه الخطوة، يكفي أن نتأمل التحول الذي تمارسه أوبر منذ سنوات. فالشركة التي تمتلك شبكة ضخمة من السائقين جعلت من أوقات الانتظار مورداً اقتصادياً جديداً. بدلاً من أن يظل السائق بلا دخل أثناء فترات الركود، تقترح أوبر أن يستخدم لحظاته تلك لإنتاج بيانات صوتية أو بصرية تغذي خوارزميات المستقبل. في الظاهر تبدو معادلة عادلة: وقت مستغل وربح إضافي. لكنها في العمق تفتح نقاشاً أوسع حول معنى العمل في عصر الذكاء الاصطناعي، وحول الحدود بين الفرصة والاستغلال.


اقتصاد البيانات يبتلع الوظائف التقليدية

القيمة العالمية لصناعة وضع البيانات وتنقيحها تجاوزت مليارات الدولارات، وتشير التقديرات إلى تضاعفها خلال الأعوام القليلة المقبلة. هذه الصناعة غير المرئية هي القاعدة التي يبنى عليها الذكاء الاصطناعي في الشركات الكبرى. ما تفعله أوبر هنا ليس بعيداً عن هذا الاتجاه: تحويل مواردها البشرية إلى مساهمين في تدريب الآلات. المفارقة أن كثيراً من العاملين في هذا المجال لا يتقاضون أكثر من دولارين أو ثلاثة في الساعة، بينما الشركات التي تستهلك أعمالهم تبلغ قيمتها السوقية مئات المليارات.

"ما يجري ليس مجرد تجربة تقنية، بل إعادة تعريف للعلاقة بين الإنسان والآلة، حيث يصبح العامل منتِجاً ومعطياً للبيانات في الوقت ذاته."


الحدود الأخلاقية لاقتصاد الذكاء

تجارب مثل هذه تثير أسئلة عن العدالة والقيمة في اقتصاد يعتمد على بيانات البشر اليومية. عندما يطلب من السائق تسجيل صوته أو مشاركة صور من حياته، فإلى أي حد يملك السيطرة على كيفية استخدام تلك البيانات؟ وفي أي لحظة يتحول “الوقت الضائع” إلى رأس مال رقمي تستفيد منه الشركات أكثر مما يستفيد منه الأفراد؟ هذه الأسئلة لا تخص أوبر وحدها، بل تمس مستقبل العلاقة بين التقنية والعمالة في كل قطاع تقريباً.

ذو صلة

بين الحلم واليقظة الرقمية

ربما يرى بعض السائقين في هذه المهام باباً صغيراً لتحسين دخلهم، وربما تراها أوبر خطوة ذكية لتسريع تطوير خوارزمياتها. لكن الحقيقة الأوسع أن الذكاء الاصطناعي لم يعد يعيش في المختبرات فقط، بل في صمت السيارات المتوقفة على جانب الطريق، وفي الأصوات والصور التي نمنحها له يومياً دون أن ننتبه. وهنا تتكشف ملامح زمن جديد حيث يتحول الانتظار ذاته إلى عمل، والعمل إلى بيانات، والبيانات إلى ذكاء يراقب ويتعلم.

ذو صلة