ذكاء اصطناعي

سباق أمريكي جديد نحو الذكاء الاصطناعي المتقدم في مواجهة صعود الصين

مصطفى يسري
مصطفى يسري

3 د

يوصي التقرير بإنشاء برنامج ضخم لتطوير الذكاء الاصطناعي العام مثل "مانهاتن".

التقرير يقترح قيودًا على استيراد الروبوتات الصينية المتقدمة لحماية الأمن القومي.

يشدد التقرير على أهمية التعاون مع دول أخرى لضمان فعالية القيود عالميًا.

قد يؤدي تطبيق هذه السياسات إلى تزايد عزلة التكنولوجيا بين القوى الكبرى.

يشير التقرير إلى أن التحديات تشمل موازنة الأمن والابتكار المفتوح في الأبحاث.

في تحول جديد يعكس جدية التنافس بين واشنطن وبكين في مجال الذكاء الاصطناعي، أوصى تقرير صادر عن "اللجنة الأمريكية لمراجعة الأمن والاقتصاد" بإنشاء برنامج حكومي ضخم لتطوير الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، على غرار مشروع "مانهاتن" التاريخي، مع مقترحات لتقييد استيراد الروبوتات الصينية المتقدمة. التقرير الذي صدر في نوفمبر 2024 يعكس تصاعدًا في حدة المواجهة التكنولوجية، ويضع الذكاء الاصطناعي في قلب الاستراتيجيات الأمنية والاقتصادية الأمريكية.


من توصيات استراتيجية إلى مشروع قومي

يؤكد التقرير أن الولايات المتحدة بحاجة إلى قفزة نوعية في الاستثمار الحكومي المباشر، بعيدًا عن الاعتماد الحصري على الابتكار التجاري في وادي السيليكون. إذ أوصى بتوفير عقود متعددة السنوات لشركات البرمجيات ومزوّدي الحوسبة السحابية ومراكز البيانات، تحت تصنيف أمني خاص يعرف باسم "DX Rating"، وهو أعلى تصنيف تمنحه وزارة الدفاع عادة للمشاريع ذات الأولوية القصوى.

هذا التوجه يعني أن مشروع الذكاء الاصطناعي لن يكون مجرد مبادرة بحثية معزولة، بل برنامجًا استراتيجيا بمعايير الأمن القومي، مشابهًا للطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع سباق التسلح النووي أو غزو الفضاء في العقود السابقة.


تضييق الخناق على الروبوتات والاستثمارات

لم يقتصر التقرير على اقتراح مبادرة الـAGI؛ بل شمل أيضًا توصيات أكثر صرامة. أبرزها: فرض قيود على استيراد الروبوتات الصينية التي تتمتع بقدرات حركية وذكاء متقدم، وتوسيع نطاق الرقابة على المنتجات المتصلة بالبنية التحتية للطاقة. كما دعا لإنشاء "مكتب الاستثمار الخارجي" لمراقبة وتقييد تدفق رأس المال الأمريكي إلى مشاريع تكنولوجية حساسة في الصين.

خطوة جذرية أخرى اقترحها التقرير هي إلغاء صفة "العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة" (PNTR) بين الولايات المتحدة والصين، ما سيعيد رسم خريطة التجارة التقنية التي شكّلت أساس التكامل الاقتصادي العالمي لعقود.


ما الذي تغيّر بالضبط؟

  • إطلاق مقترح لبرنامج "مانهاتن جديد" لتطوير الذكاء الاصطناعي العام (AGI).
  • تشديد القيود على استيراد الروبوتات المتقدمة من الصين.
  • توسيع مراقبة الاستثمارات الأمريكية الخارجة والتكنولوجيا المنقولة.
  • التوصية بإلغاء العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة مع بكين.

ما وراء التوصيات: بين الواقع والطموح

يعكس التقرير مستوى القلق الأمريكي من محاولات الصين بناء قدرات ذاتية في الرقائق المتقدمة، ومن مبادرة بكين لتسريع تطوير "القوى الإنتاجية الجديدة" القائمة على الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية. ومع أن التمويل الحكومي الكثيف قد يسرّع المنافسة، إلا أن الوصول إلى ذكاء عام حقيقي يبقى تحديًا علميًا غير مضمون النتائج في المدى القريب.

تأثير هذه السياسات سيظهر سريعًا على الشركات الناشئة ومراكز الأبحاث التي تعتمد على التعاون الدولي أو تدفقات الاستثمار العابرة للحدود. فالتشديد على مراقبة رأس المال والبيانات قد يزيد من عزلة المنظومات التقنية بين الغرب والشرق، ويفرض بيئة امتثال أكثر تعقيدًا على المطورين والشركات.

اللافت أن التقرير لم يغفل عن الحاجة إلى تنسيق السياسات مع الحلفاء، من الاتحاد الأوروبي إلى اليابان وكوريا الجنوبية، لضمان أن تصبح هذه القيود عالمية التأثير. وبدون هذا التنسيق، قد ينشأ فراغ تستفيد منه أسواق ثالثة في إعادة تمرير التكنولوجيا أو الاستثمار.

ذو صلة

سباق محسوب لا سباق مفتوح

يتضح أن التحدي الحقيقي لا يكمن في التمويل أو إرادة الدولة، بل في كيفية الموازنة بين الابتكار المفتوح والاعتبارات الأمنية. فبينما قد يوفر مشروع قومي للذكاء الاصطناعي دفعة قوية للأبحاث، فإن القيود المفرطة على التعاون الدولي قد تبطئ فعليًا وتيرة الابتكار العالمي. على المدى المتوسط، ستتأثر الشركات الأمريكية بالصعوبة المتزايدة في الوصول لأسواق الموردين، في حين قد تجد الصين في هذا الانكفاء دافعًا أكبر للاعتماد على ذاتها. النتيجة الأكثر ترجيحًا هي تسارع "فك الارتباط" التكنولوجي بين القوتين، مع تأثيرات مباشرة على سلاسل التوريد وأسعار المنتجات الذكية عالميًا.

ذو صلة