ذكاء اصطناعي

كيف تحوّل أكبر سوق لواتساب إلى أخطر تحدٍ في تاريخه؟

Abdelrahman Amr
Abdelrahman Amr

3 د

يواجه واتساب اختبارًا غير مسبوق بسبب قواعد هندية جديدة تهدد الخصوصية.

تلزم الحكومة التطبيقات بربط الحساب بشريحة الهاتف لتقليل الجرائم الإلكترونية.

تعتمد الأعمال الصغيرة على واتساب بزنس لإدارة المحادثات، والقواعد تهدد مرونته.

يجب على ميتا الامتثال خلال ثلاثة أشهر، مما يثير تحديات تقنية وتنظيمية.

تشير الأرقام إلى نمو الاستخدام رغم تباطؤ المستخدمين الجدد.

في الصباحات الهندية المزدحمة بالرسائل والمكالمات، ينهض ملايين الأشخاص ليفتحوا تطبيق واتساب قبل أن يرتشفوا قهوتهم الأولى. التطبيق الذي تحوّل إلى وسيلة تواصل، ودفع، وعمل، يواجه اليوم اختبارًا غير مسبوق في بلده الأكبر: الهند. فالقواعد الجديدة التي أصدرتها الحكومة هناك تهدد بإعادة تشكيل الطريقة التي يعمل بها هذا التطبيق داخل حياة الناس اليومية.


قرارات حكومية تضيق مساحة الحركة

أصدرت وزارة الاتصالات الهندية توجيهات تلزم تطبيقات المراسلة، ومنها واتساب وتلغرام وسيغنال، بربط كل حساب بشريحة الهاتف الأصلية التي فُتِح بها، وإعادة تسجيل الدخول إلى الإصدارات المكتبية أو المتصفحات كل بضع ساعات. الهدف الرسمي هو الحد من جرائم الاحتيال الإلكتروني التي تتسع يومًا بعد يوم، لكنها في الوقت نفسه تطرح أسئلة حول الخصوصية وسلاسة التجربة التقنية.

تؤكد الحكومة أن الإجراءات ستجعل تتبع الحسابات أسهل، وتربط كل نشاط برقم تعريف حقيقي، مما يقلل من انتشار الحسابات المزيفة. غير أن خبراء التقنية والجهات الصناعية حذروا من أن التطبيق العملي لهذه التعليمات سيؤدي إلى تعطيل طرق الاستخدام التي أصبحت جزءًا من حياة الأعمال الصغيرة والمتوسطة في البلاد.


تأثير مباشر على الأعمال الصغيرة

يعتمد الملايين من التجار الهنود على تطبيق "واتساب بزنس" لإدارة محادثاتهم مع الزبائن من الحواسيب المكتبية أو عبر الويب، بينما تظل الحسابات نفسها مسجّلة على هواتفهم المحمولة. هذه المرونة كانت أحد أسرار انتشار المنصة في بيئة تعتمد على الهواتف متوسطة السعر والاتصالات المتقطعة. لكن القيد الجديد قد يُنهي هذا التوازن، إذ يُجبرهم على إعادة الارتباط المستمر بالشريحة الهاتفية، ما يعني فقدان سهولة الوصول من الأجهزة الأخرى.

توضح بيانات Sensor Tower أن أكثر من 500 مليون شخص يستخدمون واتساب في الهند، وأن نسبة 94٪ منهم يفتحونه يوميًا. وللتجار الصغار تحديدًا، أصبح هذا التطبيق بمثابة "البنية التحتية الرقمية" لعمليات البيع وخدمة العملاء. أي خلل في هذا النظام قد ينعكس مباشرة على دورة حياتهم التجارية.


واتساب بين الامتثال والهوية التقنية

تحتاج "ميتا" المالكة لواتساب إلى الامتثال للتوجيهات خلال ثلاثة أشهر، وهي فترة قصيرة لمعالجة معضلة تقنية وتنظيمية بهذا الحجم. فالفكرة الجوهرية التي يقوم عليها واتساب الحديث هي تعدد الأجهزة، أي القدرة على استخدام الحساب على أكثر من جهاز في وقت واحد دون الاعتماد على الهاتف. بهذا المعنى، فإن التعليمات الجديدة لا تمس الخصوصية وحسب، بل تهدد ركائز التحديث نفسه.

يرى محللون في نيودلهي أن هذه القوانين تعكس توجهاً جديداً لتصنيف تطبيقات المراسلة ضمن الإطار نفسه الذي تخضع له شركات الاتصالات التقليدية. وهو تحول لا تحكمه تشريعات برلمانية واضحة بل قرارات تنفيذية، ما يفتح باب التفسيرات المتعددة والجدل القانوني حول حدود صلاحيات الجهات المنظمة.


السوق الهندية بين النمو والاستقرار

رغم القلق التنظيمي، لا يزال واتساب في الهند يسجل معدلات استخدام مرتفعة، وإن كان نمو المستخدمين الجدد قد تباطأ لصالح الاحتفاظ بالمستخدمين الحاليين. تشير البيانات إلى ارتفاع معدل الاستخدام الشهري بنسبة 6٪ هذا العام، رغم انخفاض التحميلات الجديدة بنحو النصف مقارنة بالفترة الماضية. ويتقاطع هذا مع ازدهار واتساب بزنس الذي تضاعف عدد مستخدميه منذ عام 2021.

تُظهر هذه الأرقام أن التطبيق انتقل في الهند من مرحلة التوسع الكمي إلى مرحلة النضج النوعي. فالقاعدة الضخمة الآن تحتاج إلى استقرار واستدامة في أسلوب الاستخدام، لا إلى تغييرات جذرية تضرب بنيته اليومية. ومع كل تعديل تنظيمي جديد، يبدو أن معركة الحفاظ على الثقة والسهولة أصبحت أعقد من أي وقت مضى.


ما الذي ينتظر العلاقة بين ميتا والهند؟

ذو صلة

الهند بالنسبة لميتا ليست مجرد سوق كبيرة، بل حقل اختبار لسياسات التواصل الرقمي في بيئة ذات كثافة سكانية غير مسبوقة. الطريقة التي ستتعامل بها الشركة مع القيود الجديدة ستحدد علاقاتها المستقبلية مع الحكومات التي تفكر باتجاه مشابه لمكافحة الجرائم الرقمية.

قد ينجح واتساب في الالتفاف حول التحديات التقنية، لكن السؤال الأعمق يظل حول الثقة: هل يستطيع المستخدم أن يشعر بالأمان والمرونة في آن واحد؟ في مواجهة هذه الموازنة الدقيقة بين الحماية والحرية، يبدو أن الهند تضع التكنولوجيا على طاولة الواقع، لتختبر بيت القصيد في الثورة الرقمية المعاصرة.

ذو صلة