ذكاء اصطناعي

أسرار الثقوب السوداء تنكشف: ليس كل ما يدخل يضيع… ونظرية الأوتار تروي الحكاية

أسرار الثقوب السوداء تنكشف: ليس كل ما يدخل يضيع… ونظرية الأوتار تروي الحكاية
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

تناقش الدراسة الحديثة لغز فقدان المعلومات في الثقوب السوداء وتأثيرها على الفيزياء.

تقترح نظرية الأوتار أن الكون يحتوي على أحد عشر بُعدًا، مما يضيف تعقيدًا لهذه الظاهرة.

تقدم "كرات الوبر" حلاً محتملاً للحفاظ على المعلومات في نظرية الثقوب السوداء.

تحاول الدراسة دمج نظرية النسبية العامة وميكانيكا الكم لتفسير الظواهر الكونية المعقدة.

تخيل معي للحظة أنك فقدت كتابًا عزيزًا في حفرة عميقة وغامضة، فهل سيختفي كل أثر له أم أن هناك طريقة ما لمعرفة أنه كان موجودًا هناك؟ هذا تحديدًا هو السؤال المحير الذي يحاول علماء الفيزياء اليوم الإجابة عنه، ولكن بدلًا من الكتاب، دعونا نتحدث عما يحدث عندما تبتلع الثقوب السوداء أي مادة، ماذا يحدث لإشارات وجودها؟


لغز الثقوب السوداء واستمرار الغموض

لطالما أثارت الثقوب السوداء حيرتنا بسبب قوتها الهائلة التي تبتلع حتى الضوء بسرعة متناهية، ولذلك تبدو كأنها ثقوب لا نهاية لها. إلا أن آخر الدراسات حول الثقوب السوداء القادمة من مجال نظرية الأوتار قد تخبرنا شيئًا مختلفًا ومثيرًا للغاية.

تخيل معي أن كوننا الذي نعيش فيه ليس فقط بأبعاده الأربعة التي نعرفها (الطول والعرض والعمق والزمن)، بل إنه يحتوي في الواقع على أحد عشر بُعدًا، كما تقترح نظرية (M-Theory)، وهي بمثابة نسخة متقدمة من نظرية الأوتار الشهيرة. هذه الأبعاد الإضافية، على الرغم من أننا غير قادرين على إدراكها مباشرة، تلعب دورًا جوهريًا في تكوين كوننا وما بداخله، بما فيه الثقوب السوداء نفسها.


ما هي "المتاهات الفائقة" التي تحتفظ بذاكرة الثقوب السوداء؟

داخل هذه الثقوب، هناك شيء أشبه بمتاهة كونية منسوجة من أجسام متعددة الأبعاد تسمى (البرينات). العلماء يسمّون هذه التراكيب المعقدة "السوبر متاهات" أو المتاهات الفائقة. تخيل متاهة ضخمة تضم مئات وربما آلاف الغرف والأنفاق والتشابكات، لكن بدلًا من أن تكون مجرد جدران وأركان، تتكون تحديدًا من برينات بأبعاد مختلفة، منها ما هو ثنائي البعد ومنها ذو خمسة أبعاد. وعندما تلتقي هذه البرينات وتتلامس أو تشتبك مع بعضها، يحدث لها نوع من التداخل والاهتزاز الذي يسمح بحفظ معلوماتٍ هائلة للغاية، إنها معركة الكون.

يصف الباحث نيكولاس وارنر من جامعة جنوب كاليفورنيا، وأحد المشاركين في الدراسة الأخيرة حول الثقوب السوداء هذه الفكرة بشكل بديع ومبسط قائلًا:


"تخيّل مكانًا معقدًا للغاية، حيث تلتقي فيه أجسام من عالم ثنائي الأبعاد مع أجسام أخرى من بُعد خامس. عندما تلتقي هذه الأجسام فإنها تتحرك وتتفاعل وتتشابك مع بعضها مكونة ما يشبه المخزن الهائل واللانهائي من المعلومات."


"كرات الوبر" والحل المحتمل للغز

ولكن ماذا عن المفهوم التقليدي للثقوب السوداء؟ في الحقيقة، تواجه النظرية التقليدية للثقوب السوداء مشكلة كبيرة تُعرف بإسم "تناقض المعلومات". هذه المشكلة ظهرت بعد أفكار الفيزيائي الراحل ستيفن هوكينج، والذي أوضح أن أي شيء يبتلعه الثقب الأسود سوف يتبخر في نهاية المطاف بفعل إشعاع يُعرف اليوم بإسم "إشعاع هوكينج"، ما يؤدي إلى فقدان معلومات كل ما ابتلعته هذه الثقوب بشكل نهائي. المشكلة هنا تكمن في أن ذلك يتناقض بشكل صارخ مع مبادئ ميكانيكا الكم، التي تؤكد على أن المعلومات في الكون لا تُخلق ولا تفنى.

هنا يأتي دور مفهوم جديد يُسمى "كرات الوبر" (Fuzzballs)، هذه النماذج التي قدمها الباحثون هي تراكيب داخل الثقوب السوداء من البرينات المتشابكة والمرتجّة، وهي لا تحتوي فعليا على ما يسمى بــ"أفق الحدث"، المنطقة التي لا يمكن لأي شيء الإفلات منها. ونتيجة ذلك تستطيع هذه "الكرات الوبرية" الاحتفاظ بالمعلومات عن أي جسم تبتلعه، بدلًا من فقدانها إلى الأبد.


هل نحن على أعتاب حل الثورة العلمية؟

بالرغم من أن الدراسة التي نُشرت في مجلة الفيزياء ذات الطاقة العالية قدمت فكرة جديدة ومبتكرة، ما زالت هذه النماذج النظرية تثير النقاشات والاعتراضات بين العلماء. فبينما أشاد بها باحثون مثل سمير ماثور الذي ابتكر نموذج كرات الوبر، واصفًا إياها بأنها "خطوة أنيقة نحو الأمام"، كان آخرون مثل الفيزيائي دون مارولف أكثر تحفظًا، معتبرين أن هناك أمورًا كثيرة ما زالت تحتاج للنقاش، خصوصًا فيما يتعلق بالتوافق مع الخصائص الأساسية المهمة للثقوب السوداء كالإنتروبيا أو الفوضى الحرارية.

ذو صلة

بغض النظر، يبقى البحث عن "المتاهات الفائقة" و "كرات الوبر" محاولةً هامة لتوحيد نظريتين ظلت طويلاً منفصلتين وهما: نظرية النسبية العامة لأينشتاين وميكانيكا الكم. هذه الخطوة، في حال نجاحها، قد تكون مفتاحًا أمام العلماء لاكتشاف النظرية الشاملة المعروفة بـ "نظرية كل شيء"، والتي قد تشرح لنا كل القوى الأساسية التي تسيطر على الكون.

وبينما تظل هذه النظريات في إطار الفرضيات والبحوث الأسبوعية، فإنها تشير بالتأكيد إلى أننا نقترب أكثر من يوم قد نستطيع فيه أخيرًا الإجابة على أعظم ألغاز الكون وأكثرها إثارة للخيال: إلى أين تذهب معلومات المادة التي تبتلعها الثقوب السوداء؟ وأيضًا ماذا يحدث حقًا في قلب هذه الوحوش الكونية الغامضة؟

ذو صلة