ذكاء اصطناعي

قرش بركاني يسبح وسط الحمم… هل نقترب من ولادة وحش خارق؟

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف العلماء أسماك القرش التي تعيش داخل بركان تحت الماء منذ عام 2015.

يسعى الباحثون لفهم كيفية نجاة القروش في بيئة حرارية وحمضية مرتفعة.

تستخدم فرق البحث روبوتات متقدمة لجمع البيانات حول البيئة القاسية.

يمكن لمشاهدات العلماء أن تكشف أسرار تكيف الكائنات البحرية في البيئات الصعبة.

يعزز دراسة براكين البحر الفهم البيئي وحماية المحيطات في المستقبل.

قد تبدو مغامرة اكتشاف أسماك القرش التي تعيش في "بركان القرش" فكرة مقتبسة من أفلام المغامرات، لكن هذه الظاهرة حقيقية تماماً، وقد أثارت حيرة علماء المحيطات منذ رصدها لأول مرة عام 2015. منذ ذلك الحين، يسعى فريق دولي من الباحثين لفك أسرار هذه البيئة شديدة القسوة في أعماق المحيط الهادئ مستعينين بروبوتات متقدمة، في محاولة للإجابة عن سؤال محير: كيف تستطيع مخلوقات بحرية ضخمة كالقروش النجاة وسط الحرارة العالية، والحموضة المرتفعة، والانفجارات المفاجئة؟


تجربة لا تُنسى في كافاتشي


رحلة العلماء كانت إلى بركان كافاتشي، على بعد نحو 20 ميلاً من جزر سليمان، أحد أكثر البراكين النشطة تحت الماء نشاطاً على وجه الأرض. فريق العلماء بقيادة مهندس المحيطات برينان فيليبس من ناشونال جيوغرافيك، تعاون مع خبراء جامعة كوينزلاند، وابتكروا روبوتات صغيرة الحجم يمكن نقلها بسهولة عبر طائرات خفيفة، ومصممة لتتحمل ظروفاً قاسية وحتى أن تتلف أو تدمر دون خسائر مادية كبيرة. هذه الروبوتات تم تجهيزها بأجهزة قياس متطورة منها حساسات حرارة، وعدادات حموضة، وكاميرات عالية الدقة ومستشعرات لقياس انبعاثات غازات الدفيئة في الجو والماء.

رحلة الروبوتات داخل البركان ترتبط بسعي العلماء لفهم التغيرات البيئية الحادة داخل فتحة البركان: فدرجات الحرارة ترتفع بعشر درجات مئوية عن المعدل، وتزداد مستويات ثاني أكسيد الكربون بشدة، وتنخفض قيمة الرقم الهيدروجيني للمياه بشكل ملحوظ لتصبح أكثر حموضة. وبالرغم من كل ذلك، تسجل الكاميرات مشاهد فريدة لأسماك القرش وهي تتجول وسط أعمدة البخار المضطربة بين لحظات الانفجارات البركانية.


تسليط الضوء على أسرار البراكين البحرية


هذه النتائج الميدانية تفتح الباب أمام أسئلة جديدة حول قدرات الكائنات البحرية على التكيف مع الظروف الخارجة عن المألوف. فالبراكين البحرية المعروفة بقسوتها تمثل مختبراً حياً لدراسة تأثيرات الانبعاثات الحرارية والغازية على الحياة البحرية، ما يعكس أهمية جمع عينات مائية وصخرية لدراسة تغيرات التركيب الكيميائي للمياه، وقدرة بعض الأنواع على النجاة وحتى الازدهار في بيئة كانت تبدو مستحيلة للبقاء. وتظهر الروبوتات الذاتية ـ بفضل بساطتها وانخفاض تكلفتها واعتمادها على مواد متوفرة محلياً ـ حلولاً عملية وفعالة لاستكشاف مواقع يصعب الوصول إليها أو حتى تشكل خطراً على الحياة البشرية.


انعكاسات بيئية وعلمية بعيدة المدى


هذه المغامرة العلمية لا تتوقف عند حدود محاولة اكتشاف حياة أسماك القرش فقط، لكنها تشكل نقطة انطلاق نحو توظيف تقنيات الاستشعار عن بعد في مراقبة الظواهر الطبيعية القصوى مثل الانفجارات البركانية والانبعاثات الغازية في المحيطات. النتائج الأولية أظهرت أن بركان كافاتشي يُعد مصدراً واضحاً لانبعاث الغازات الدفيئة، كما أن التفجرات البركانية توفر نافذة للحصول على عينات صخرية حية من قلب البركان قد تساعد في فهم عمليات التشكل الجيولوجي تحت الأمواج.

ذو صلة

ومع استمرار العلماء في تطوير أجهزة استشعار أكثر تطوراً وصلابة، تكبر فرص اكتشاف أسرار أعظم عن قدرة أسماك القرش والكائنات البحرية الأخرى على التأقلم مع بيئات قصوى لم تكن تعتبر سابقاً إلا عوالم خفية لا يجرؤ الإنسان على الاقتراب منها. وهذا يؤكد الصلة الوثيقة بين فهم التنوع البيولوجي في المناطق البركانية والحفاظ على التوازن البيئي في المحيطات مستقبلاً.

في المجمل، مغامرة “براكين القرش” تقدم درساً في تحدي المجهول وتوسع حدود المعرفة حول بيئة البحار العميقة. وبينما لا تزال هناك علامات استفهام تحتاج لمزيد من البحث والتجربة، تبقى تلك المشاهد المثيرة لأسماك القرش تسبح بين الأبخرة البركانية خير شهادة على الأعاجيب التي تخفيها الطبيعة في أعماق محيطاتنا.

ذو صلة