أصغر بكسل على وجه الأرض! ابتكار ثوري يمهّد لجيل جديد من التقنيات البصرية

3 د
نجح علماء جامعة يوليوس-ماكسيميليان بألمانيا في ابتكار أصغر بكسل مضيء.
البكسل الجديد يمكن أن يغير مستقبل النظارات الذكية والواقع المعزز.
تقنية الهوائيات البصرية مع OLED تفتح المجال لشاشات صغيرة جدًا.
تحدى الباحثون مشكلة في البكسل باستخدام طبقة عازلة خاصة.
الخطوة التالية تحسين كفاءة الإضاءة وتوسيع الطيف اللوني للبكسل.
في إنجاز يُوصف بأنه «أصغر من حبة رمل»، نجح فريق من الفيزيائيين في جامعة يوليوس‑ماكسيميليان في فورتسبورغ بألمانيا في ابتكار أصغر بكسل مضيء في العالم، فاتحًا بابًا جديدًا أمام صناعة الشاشات الميكروسكوبية المخصصة للأجهزة القابلة للارتداء مثل النظارات الذكية وعدسات الواقع المعزز.
يُنظر إلى النظارات الذكية منذ سنوات كأحد أعمدة ثورة الأجهزة القابلة للارتداء، لكن العقبة الكبرى أمام تطورها كانت في تقليص حجم وحدات الإضاءة من دون التضحية بشدة السطوع أو دقّة العرض. هنا بالضبط برز الحل الذي قدّمه الباحثون الألمان عبر دمج تقنية الهوائيات البصرية مع الصمامات الثنائية العضوية الباعثة للضوء (OLED).
وهذا التطور يربط بين حلم عرض المعلومات على زجاج النظارات والطموحات الطويلة المدى في مجال الواقع الممتد والواقع الافتراضي.
كيف صُنع أدق بكسل على وجه الأرض
يعتمد الإنجاز على تهيئة تلامس معدني يسمح بتدفق الكهرباء داخل صمام OLED عضوي، وفي الوقت ذاته يضاعف الضوء المنبعث منه. النتيجة: بكسل بلون برتقالي مساحته لا تتجاوز 300×300 نانومتر، أي أنه أصغر بنحو خمسة عشر مرة من حجم البكسل التقليدي البالغ 5×5 ميكرومتر، ومع ذلك يُصدر الإضاءة نفسها تقريبًا. وللمقارنة، فإن النانومتر يساوي واحدًا على المليون من المليمتر.
هذا يعني عمليًا أنّ شاشة بدقة 1920×1080 يمكن ضغطها في مساحة لا تتعدى مليمترًا مربعًا واحدًا فقط، ما يفتح المجال لشاشات أو مُسقِطات (بروجيكتورات) دقيقة يمكن دمجها داخل إطار نظارة عادية لتعرض الصورة مباشرة على العدسة.
وتقود هذه المقارنة إلى سؤال محوري حول كيفية الحفاظ على ثبات هذه الهياكل الدقيقة أمام مشاكل التوصيل الكهربائي والحرارة.
التحدي التقني: حين يذوب الذهب في الضوء
يوضّح الباحث ينس فلام أنّ تصغير مفهوم OLED التقليدي واجه معضلة مماثلة لظاهرة «قضيب الصاعقة»، إذ تتركز التيارات في زوايا الهوائي الذهبي ذي الحواف النانوية، فتكوّن حقولًا كهربائية قوية تدفع ذرات الذهب إلى التسلل نحو المادة العضوية النشطة. هذه الخيوط الذرّية الدقيقة، أو ما يسمى «الفيلامينتات»، تؤدي في النهاية إلى قصر كهربائي يُدمّر البكسل.
وللتغلب على ذلك أضاف الفريق طبقة عازلة جديدة تُغطّي الهوائي وتترك فقط فتحة دائرية قطرها 200 نانومتر في المركز. بهذه الخدعة الهندسية، حُظر مرور التيارات من الحواف، وأصبح البكسل مستقراً لمدة أسبوعين على الأقل في الظروف الجوية العادية.
ومن هنا يتشابك هذا النجاح المخبري مع مستقبل تطوير شاشات مستقرة وطويلة العمر.
نحو جيل جديد من الشاشات النانوية
الخطوة المقبلة للفريق هي رفع كفاءة الإضاءة، التي تبلغ حالياً نحو 1٪، وتوسيع الطيف اللوني إلى الألوان الأساسية الأحمر والأخضر والأزرق (RGB). عند الوصول إلى ذلك، لن يبقى حاجز يمنع إنتاج جيل كامل من الشاشات النانوية «صنع في فورتسبورغ» يمكن تركيبها في النظارات وحتى العدسات اللاصقة.
هذا الإنجاز لا يمثل انتصارًا للتقنيات البصرية فحسب، بل يضع حجر الأساس لتقنية عرض جديدة مدمجة بالكامل في الجسم أو الملابس، تتيح عوالم الواقع المعزز أن تصبح جزءًا شبه غير مرئي من حياتنا اليومية.
بهذه الخطوة، يكون العلماء قد اقتربوا أكثر من تحويل الخيال العلمي إلى واقع ملموس، حيث تتحول نقطة ضوء أصغر من ذرة غبار إلى نافذة كاملة على العالم الرقمي.









