ذكاء اصطناعي

أضواء الفجر الكوني: اكتشاف مذهل يعود بنا إلى بدايات الكون لأول مرة من الأرض!

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

تمكن العلماء من رصد وهج "الفجر الكوني" القديم لأول مرة من الأرض.

استخدم فريق الباحثين تلسكوب "كلاس" في صحراء أتاكاما لتجاوز التحديات التقنية.

وصف البروفيسور توبياس ماريج الاختراق بأنه "إنجاز كبير" في علم الكونيات.

يفتح الاكتشاف أبوابًا لفهم تشكل المجرات والأحداث الكونية المبكرة.

لأول مرة على الإطلاق، تمكن علماء الفلك من رصد وهج "الفجر الكوني" الخافت من سطح الأرض، ليُكشَف بذلك فصل جديد مثير من تاريخ كوننا وينقلنا في رحلة إلى الوراء، إلى ما يقارب 13 مليار سنة مضت؛ حين بدأت النجوم الأولى تخترق الظلمة وتضيء ظلام الفضاء الذي كان صامتاً وغامضاً. تخيل أنك تمتلك آلة زمن تتيح لك تأمل بدايات الكون، وتَشهد لحظاته الأولى بينما تشرق النجوم الأولى في الأفق الكوني.

حتى وقت قريب، كان من شبه المستحيل أن يتم التقاط هذا الوهج القديم بواسطة المراصد الأرضية التقليدية؛ فالإشعاع الكوني الميكروي أو إشعاع الخلفية الكونية، وهو شكل من أشكال بقايا الانفجار العظيم، خافت جداً لدرجة يصعب معها رصده من سطح الأرض بسبب التداخلات الجوية والمشاكل التقنية. غير أن هذا التحدي الكبير لم يمنع العلماء من المحاولة مجدداً لكشف أسرار تلك المرحلة الفاصلة.

وهنا تأتي لحظة التغيير، حين قرر فريق من الباحثين استخدام نظام متقدم من التلسكوبات المعروفة باسم "كلاس" (CLASS)، والموجودة في صحراء أتاكاما التشيلية، المعروفة بسمائها الشديدة النقاء وجوها الجاف والمثالي للرصد الفلكي. كانت هذه المنظومة التقنية الفريدة مصممة خصيصاً لالتقاط هذه الأضواء الخافتة والإشارات الأولية من حقبة تشكّل الكون. وفعلاً، نجحت "كلاس" فيما بدا سابقاً أمراً شبه مستحيل من الناحية التكنولوجية.

البروفيسور توبياس ماريج، أستاذ الفيزياء وعلم الفلك بجامعة جونز هوبكنز والمشرف الرئيسي على الفريق البحثي، وصف هذه الخطوة بأنها "إنجاز كبير". وأكد في تصريحاته أن هذا النجاح جاء بعد تخطي حدود كانت تبدو مستعصية سابقاً، قائلاً: "كنا نعتقد أن عملية الرصد هذه مستحيلة من الأرض. لقد كانت العوائق التقنية حقيقية وكبيرة، ولكننا استطعنا أخيراً تخطيها والوصول لهذا الإنجاز الرائع."

عندما نرنو بأعيننا إلى النجوم والمجرات البعيدة، فنحن عملياً ننظر إلى الماضي، لأن الضوء المنبعث من الأجرام السماوية البعيدة يستغرق وقتاً طويلاً (يصل إلى آلاف الملايين من السنين) للسفر والوصول إلينا. على سبيل المثال، ضوء الشمس يستغرق 8 دقائق للوصول إلى الأرض. هكذا إذاً، عندما نشاهد هذا الوهج الذي سافر زهاء ثلاثة عشر مليار سنة، فنحن نرى فترة الطفولة الأولى للكون، قبل نشأة المجرات والكواكب وكل ما نعرفه اليوم.

إن هذه النتائج الجديدة لا تقدم لنا فقط صورة مبهرة لتاريخ الكون؛ بل تتجاوز ذلك لتفتح لنا باباً لفهم الأحداث التي أدت إلى تشكل المجرات الأولى وبدايات الحياة الكونية كما نعرفها. تشير التقلبات والإشارات الدقيقة في هذا الإشعاع المكتشف حديثاً إلى بذور التراكيب الأولى في الكون، مما سيساعد العلماء على فهم تلك الحقبة الحاسمة والهامة بشكل أفضل.

تذكرت وأنا أقرأ هذا الخبر حماسة البدايات، وذلك اليوم الذي تعلمت فيه عن إشعاع الخلفية الكونية في دراستي الجامعية. شعور مذهل جداً أن نرى ضوءًا قادماً من ولادة الكون ذاته ويصل إلينا بعد هذه المسافات الزمنية الهائلة، ليخبرنا شيئاً جديداً عن أصولنا في هذا الكون الواسع.

ذو صلة

واليوم، تأتي هذه الاكتشافات الأخيرة لترسخ هذا الشعور بالاندهاش الدائم، وتذكّرنا دائماً بالارتباط الوثيق بين الفضول اللامحدود للإنسان ورغبته الدائمة في استكشاف الأسرار الكونية. ولعلّ ما ينبغي تعزيزه في مثل هذه المقالات هو الربط بشكل واضح بين العاطفة الإنسانية تجاه الفضاء والأسئلة العلمية الدقيقة، وأن يُستبدل أي تعبير غامض بكلمات أبسط تساعد القارئ غير المتخصص على التفاعل مع الموضوع بسهولة أكبر.

وفي المرة القادمة حين ترفع عينيك نحو النجوم في الليل، تذكّر أننا نتطلع دائماً إلى الماضي، إلى اللحظات الأولى من ولادة الكون. وأخبرنا أنت، هل سبق لك أن شعرت بهذا الاندهاش وأنت تنظر إلى السماء ليلاً؟ وما الذي يثير شغفك بشكل أكبر عندما تفكر في أسرار هذا الكون العظيم من حولنا؟ شاركنا رأيك في التعليقات ولا تنسَ مشاركة المقال مع أصدقائك ممن ترافقهم نفس المتعة والشغف بكشف أسرار النجوم.

ذو صلة