أكبر موقع للأهرامات في العالم… ليس في مصر! من يملك سرّ الأهرامات المنسية؟

3 د
تعتبر السودان موطنًا لأكبر تجمع للأهرامات في العالم، متفوقة على مصر.
مملكة كوش النوبيّة شيدت حوالي 220 هرمًا بين 800 ق.
م و350 م.
خلال الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين، حكم ملوك كوش مصر وتركوا إرثًا معماريًا فريدًا.
مدينة مروي كانت عاصمة الكوشيين وموقع لأهرامات ذات تصميم مختلف عن أهرامات الجيزة.
مواقع مروي الأثرية أُدرجت ضمن التراث العالمي لعام 2011، تسلط الضوء على مملكة كوش.
حين نسمع كلمة «أهرامات»، يتجه الذهن فوراً إلى الجيزة المصرية، لكن المفاجأة أن أكبر تجمع للأهرامات في العالم ليس هناك، بل يقع جنوباً في السودان، حيث تخبئ الصحراء آثار إمبراطورية كانت يوماً ما تنافس مصر قوةً وحضارة.
في مساحة تمتد قرب نهر النيل شمال الخرطوم، تنتصب أكثر من مئتين وعشرين هرماً، شيدها ملوك **مملكة كوش** التي ازدهرت بين عامي 800 قبل الميلاد و350 ميلادية. ويشير خبراء الآثار إلى أن هذا العدد يضاعف تقريباً ما تملكه مصر من أهرامات، التي يُقدر عددها بنحو 118 بناءً جنائزياً متنوع الشكل والحجم.
وهذا يقودنا إلى تاريخ كوش المثير، تلك المملكة النوبية التي لم تكن مجرد تابع لمصر القديمة، بل حكمتها في بعض فتراتها. فخلال **الأسرة الخامسة والعشرين الفرعونية** تولى ملوك كوش، وأشهرهم الملك «بيي»، عرش مصر، مؤسسين حكماً امتد من النوبة حتى الدلتا، تاركين وراءهم إرثاً معمارياً فريداً في مقابرهم وأهراماتهم التي استلهمت شكلاً مصرياً لكن بروح إفريقية مستقلة.
مروي... عاصمة الملوك السود
مدينة **مروي**، الواقعة قرب وادي النيل الأوسط، أصبحت القلب النابض للإمبراطورية بعد انسحاب الكوشيين من مصر. هناك، ووسط الكثبان الرملية، تنتصب مجموعات ضخمة من الأهرامات ذات الجدران الحادة والزوايا المرتفعة، تختلف تماماً عن أهرامات الجيزة العريضة المسطحة. كانت هذه الأضرحة مخصصة لملوك وملكات ونبلاء، وتزينت مقصوراتها برسوم تمثل الحياة بعد الموت، مما يجعلها سجلاً فنياً ودينياً نادراً.
وهذا يفتح باباً آخر على مأساة تلك المعالم، إذ لم تسلم أهرامات السودان من العبث. ففي القرن التاسع عشر، قام مغامر إيطالي يدعى **جوزيبي فيرليني** بتفجير بعض الأهرامات بالمتفجرات طمعاً في الذهب، مسبباً دماراً لا يمكن تعويضه. وما زالت آثار الحفر والتخريب شاهدة على زمن كانت فيه الكنوز تغري أكثر من المعرفة.
إرث منسي ينتظر الاعتراف
ورغم ثراء الموقع التاريخي، لم تنل أهرامات مروي الاهتمام الذي تستحقه. فسنوات من الاضطرابات السياسية وضعف البنية التحتية حالا دون ازدهار السياحة الثقافية. ففي حين تستقبل مصر ملايين الزوار سنوياً، تبقى مروي شبه خالية إلا من بعثات علمية محدودة تحاول ترميم ما تبقى.
غير أن بصيصاً من الأمل لاح في عام 2011 عندما أدرجت **يونسكو** مواقع مروي الأثرية على قائمة التراث العالمي، ما أعاد تسليط الضوء على واحدة من أقدم الممالك الإفريقية وأكثرها نفوذاً. ومع دخول تقنيات حديثة كالتصوير بالأقمار الصناعية والرادار المخترق للأرض، بدأ العلماء يكتشفون دلائل على مزيد من المقابر والأبنية المدفونة تحت الرمال، ما يعزز الاعتقاد بأن ما نعرفه حتى الآن ليس سوى القمة الظاهرة من جبل الأسرار النوبي.
وهذا بدوره يعيد صياغة نظرتنا إلى التاريخ القديم، فلا يمكن بعد اليوم أن تُختزل الحضارة الإفريقية في ضفاف النيل الشمالية فقط. فالأهرامات السودانية ليست تقليداً، بل إعلان استقلال حضاري وفني لمملكة عرفت كيف تزاوج بين الروح المصرية القديمة وهويتها المحلية الفريدة.
في الختام، تقف أهرامات النوبة كشاهد صامت على عظمة طُمست طويلاً. هي تذكير بأن التاريخ ليس حكراً على جهة واحدة من النيل، وأن الصحراء السودانية في مروي وأهرامها لا تحكي قصة الموتى فحسب، بل حكاية أمة نهضت من الرمال وتركَت وراءها حجارةً تنبض بالحياة.









