أمل جديد لمرضى الزهايمر: اكتشاف علاج مبتكر من قلب أدوية السرطان

4 د
أظهر مزيج دوائين لعلاج السرطان نتائج واعدة ضد الزهايمر لدى الفئران.
الباحثون إستعانوا بقاعدة بيانات ضخمة لتحليل تأثير الأدوية على أنماط الجينات.
تتجه الدراسة لإجراء تجارب سريرية موسعة لتأكيد فعالية وأمان هذا النهج.
يُشير الاكتشاف إلى أن العلاجات المستقبلية قد تأتي من أدوية موجودة بالفعل.
في الولايات المتحدة وحدها، يعيش نحو سبعة ملايين شخص مع مرض الزهايمر، ومع ذلك تبقى خيارات العلاج المتاحة شحيحة للغاية، إذ يتوقع أن يتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات بحلول عام 2050. رغم الجهود العلمية الحثيثة، ما زالت الأدوية المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) قليلة ومحدودة التأثير، فهي تركز غالبًا على تخفيف الأعراض بدلًا من علاج أصل المرض أو إيقاف تدهوره.
وسط هذا الواقع الصعب، اتجه باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو بالتعاون مع معهد غلادستون إلى مسار مبتكر وغير متوقع. بدلاً من التركيز على تطوير عقاقير جديدة من الصفر، درس الفريق تأثير الأدوية الموجودة بالفعل، وخاصة تلك التي حصلت على ترخيص لعلاج أمراض أخرى، لمعرفة ما إذا كان يُمكن إعادة توظيفها في مواجهة الزهايمر. جاء الاكتشاف اللافت عندما وجدوا أن مزيجًا من دوائين يُستخدمان غالبًا في علاج السرطان أظهر نتائج واعدة بشكل فاجأهم في التجارب على الفئران؛ حيث ساهم هذا المزيج في تقليل تلف الدماغ واستعادة الذاكرة، وهي نتائج نشرها الفريق مؤخرًا في دورية "سيل" العلمية.
المكون الجيني والبحث عن بصمة الدواء
لعل التحدي الأكبر في علاج الزهايمر يعود إلى طبيعته المعقدة، فهو لا يُعزى إلى جين واحد أو بروتين معين، بل إلى تغييرات متعددة على مستوى الجينات والبروتينات تتداخل وتؤثر على صحة الدماغ بشكل عام. هذا الواقع -كما يوضحه البروفيسور يادونغ هوانغ، أحد المشرفين على البحث- يجعل تطوير علاج تقليدي أكثر صعوبة، إذ اعتاد مطورو الأدوية استهداف جين واحد أو بروتين معين في كل مرة. ومن هنا جاءت فكرة الاستفادة من التقنيات الحديثة وعلم البيانات، إذ اعتمد الفريق على تحليلات ضخمة لبيانات منشورة حول أنماط التعبير الجيني في أنسجة أدمغة أشخاص توفوا بعد إصابتهم بالزهايمر أو من أشخاص أصحاء. وبمقارنة هذه الأنماط بالبيانات المخزنة في قاعدة بيانات ضخمة تُسمى "خريطة الترابط" (Connectivity Map)، والتي ترصد كيف تغيّر آلاف الأدوية أنماط الجينات في الخلايا البشرية، نجح الفريق في تضييق قائمة الأدوية المحتملة من 1300 عقار إلى 86 ثم إلى 10 أدوية فقط حصلت بالفعل على موافقة إدارة الغذاء والدواء.
وهنا يأتي الربط مع الواقع الإكلينيكي، فقد عاد الباحثون إلى سجلات طبية ضخمة جمعت بيانات طبية لـ 1.4 مليون مريض فوق سن الخامسة والستين في كاليفورنيا. من خلال تحليل فتحات المرضى الذين تناولوا تلك الأدوية، تمكن الفريق من ملاحظة أي العقاقير كان مرتبطًا بانخفاض احتمال الإصابة بالزهايمر بشكل غير مباشر، إلى أن تقلّصت قائمة الخيارات أخيرًا إلى خمسة عقاقير فقط.
نتائج مذهلة في التجارب الحيوانية
من هذه القائمة الصغيرة، استقر الباحثون على اختبار دوائين متخصصين في علاج السرطان: ليتروزول (المستخدم لعلاج سرطان الثدي)، وإيرينوتيكان (المستخدم في أورام القولون والرئة). وضع الفريق افتراضًا بأن الليتروزول قد يكون مفيدًا لصحة الخلايا العصبية، بينما يخدم إيرينوتيكان الخلايا الدبقية التي تشكل بيئة داعمة في الدماغ. عند تجربة مزيج الدواءين لدى فئران معدلة وراثيًا لتقليد الزهايمر، لاحظ العلماء نتائج غير متوقعة؛ حيث تراجعت مؤشرات التلف الدماغي وتجمعت كتل البروتين الضارة بدرجة أقل، كما استردت الفئران الذاكرة في اختبارات سلوكية، ما يمثل بارقة أمل مهمة في عالم العلاجات العصبية.
الانتقال من المختبر إلى العيادات
تضع هذه النتائج حجر الأساس لمسار علاجي محتمل قد ينقذ ملايين المصابين حول العالم؛ إلا أن الطريق لا يزال طويلًا ويحتاج لتجارب سريرية موسعة على البشر للتأكد من فعالية وأمان هذا المزيج الدوائي. تؤكد الدكتورة مارينا سيروتا، المشاركة في الدراسة، أن استخدام الحوسبة والبيانات الصحية يفتح أفقًا جديدًا لاكتشاف علاجات للأمراض المعقدة التي استعصت طويلًا على الحلول التقليدية، إذ سمح دمج التحليل المعلوماتي بتقصي ملامح تعبير الجينات وعلاقتها بخيارات الأدوية المتوفرة، وصولًا إلى ابتكار هذا الحل الواعد.
في ضوء هذا التقدم العلمي، من الجيد أن نُبقي الباب مفتوحًا لتحسين صياغة بعض المصطلحات عند الترجمة أو لإضافة تفاصيل حول آليات عمل هذه العقاقير بشكل أكثر إيجازًا أو بساطة. كما أن تعزيز ربط التأثيرات الجينية –كلمة "البصمة الجينية" مثلًا– بعالم الأدوية يمكن أن يمنح القارئ فهمًا أعمق. كلما أضفنا سلاسة في الانتقال بين التجربة المخبرية والآفاق المستقبلية، زادت فاعلية الرسالة العلمية وقدرتها على تحفيز الأمل. وإذا كان الزهايمر حتى اللحظة تحديًا شديد الصعوبة، فإن إعادة توظيف أدوية السرطان تذكرنا بأن بعض الإجابات قد تكون مختبئة في أماكن لم نتوقعها.