ذكاء اصطناعي

أوروبا تخفي سراً جيولوجياً مذهلاً: اكتشاف قارة ضائعة عمرها 140 مليون سنة

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

اكتشف فريق من جامعة أوتريخت قارة قديمة تحت جنوب أوروبا تدعى "أدريا الكبرى".

نشأت "أدريا الكبرى" قبل 240 مليون عام وانفصلت عن إفريقيا وتحركت نحو أوروبا.

تساهم النتائج في فهم التغيرات التكتونية وتطوير التنبؤات الزلزالية في البحر المتوسط.

القارة القديمة للتفتت ودفعت تحت الأرض، مشكلة جبال الألب والأبينيني.

يؤكد هذا الاكتشاف الدينامية المستمرة لكوكب الأرض وتغيره الدائم عبر الزمن.

لطالما أثارت الأساطير القديمة حول "القارات المختفية" اهتمام الكثيرين، وصورت عالماً غامضاً تحت مياه المحيطات. لكن هذه المرة، تأتي الحقيقة العلمية لتتجاوز الخيال بأسلوب مدهش. فقد أعلن فريق من الباحثين بجامعة أوتريخت الهولندية عن اكتشافهم آثار قارة قديمة دفينة تحت أعماق جنوب أوروبا، تعود جذورها إلى حوالي 140 مليون سنة مضت. ويطلق العلماء على هذه القارة اسم "أدريا الكبرى"، كاشفين عن تاريخ جيولوجي مذهل بدأ يتكشف أخيراً أمام أعيننا، نُشرت الدراسة في مجلة غوندوانا للأبحاث.

تطورت "أدريا الكبرى"، التي يقدر الباحثون حجمها آنذاك بحجم جزيرة غرينلاند الشهيرة، قبل حوالي 240 مليون عام حين كانت الأرض تتشكل ضمن قارة عملاقة واحدة تدعى "بانجيا". ومع مرور ملايين السنين، انشقت هذه القارة القديمة تدريجياً عن شمال إفريقيا، وتحركت في رحلة بطيئة نحو الشمال، لتستقر في نهاية المطاف في الموقع الذي يغطي جنوب أوروبا حالياً، إضافةً إلى أجزاء من الشرق الأوسط. ومع هذه الهجرة الجيولوجية الطويلة، تعرضت أدريا الكبرى للتفتت والانكسار، وتم ابتلاعها تدريجيًا تحت القشرة الأرضية إلى طبقات الوشاح العميقة.

وهكذا، بدأ فريق الباحثين بقيادة العالم الجيولوجي "دووي فان هينسبرجن" بتتبع حركة هذه القارة بعناية باستخدام برامج متطورة لتحليل بيانات حركة الصفائح التكتونية والتموجات الزلزالية. وقد وجد الفريق بأن أدريا الكبرى دُفعت تدريجياً نحو الأسفل، حيث انزلقت أجزاء واسعة منها إلى أعماق الأرض، بينما بقيت أخرى على مقربة من السطح، مشكلة مع الزمن الأساس الجيولوجي لسلاسل الجبال الأوروبية الشهيرة مثل جبال الألب والأبينيني والمناطق الجبلية في اليونان وتركيا.

والمثير للاهتمام هنا، أن العديد من السياح الذين يستمتعون بقضاء عطلاتهم السنوية في هذه المناطق الجميلة، يسيرون دون علم منهم فوق بقايا قارة قديمة مدفونة تحت أقدامهم! وعن هذا الأمر قال فان هينسبرجن مازحاً:


"انسوا قارة أطلانتس؛ الواقع أكثر إثارة للدهشة عندما تعرفون أن مئات آلاف السياح يسيرون سنوياً على بقايا قارة أدريا الكبرى"

وبالحديث عن هذا الاكتشاف، تشير التقارير إلى أن البحر المتوسط يمثل تحدياً ضخماً لعلماء الجيولوجيا بسبب تركيبته التكتونية المعقدة والفريدة من نوعها. وبحسب البروفيسور فان هينسبرجن، فإن "كل شيء هناك منحني، ومكسور، ومتداخل". وتعزى هذه التعقيدات الجيولوجية إلى الحركة النشطة والمستمرة التي تعمل على إعادة تشكيل منطقة المتوسط منذ ملايين السنين.

اعتمد الباحثون في دراستهم على البيانات السيزمية والاهتزازات الزلزالية لفك تشابك هذه الخيوط الجيولوجية المتشابكة، فاكتشفوا كيف غرقت أجزاء من "أدريا الكبرى" في الأعماق حتى وصلت إلى حوالي 1500 كيلومتر تحت السطح، فيما استقرت أجزاء أخرى أقرب للسطح مشكلةً المرتفعات الجبلية الأوروبية الحالية بشكلها المعروف.

وفي الحقيقة، فإن نتائج هذه الدراسة ستساعد مستقبلاً في تحسين فهمنا للتغيرات التكتونية المستمرة، كما قد تساهم في تطوير عمليات التنبؤ بنشاط البراكين والزلازل في منطقة المتوسط التي تشتهر بنشاطها الجيولوجي المعتاد.

ذو صلة

ولا شك أن اكتشاف هذه القارة القديمة يؤكد ما نعرفه عن دينامية كوكب الأرض واستمرار تغيراته وتطوره على مر الزمن. فكل جبل عظيم يجتذب آلاف الزوار اليوم، هو في الواقع مجرد جزء صغير من القصة الطويلة التي ترويها لنا طبقات الصخور الصامتة.

وفي نهاية المطاف، تدفعنا حكاية "أدريا الكبرى" إلى تأمل عميق في التاريخ الجيولوجي للأرض، إذ تثبت من جديد أن القارات برغم ضخامة حجمها، معرضة دائماً للقوى التكتونية الضخمة والتغيرات الجذرية عبر ملايين السنوات. وربما يكون من المناسب أكثر أن نستبدل كلمة "اكتشاف" بـ "انكشاف"، فكوكبنا يخفي دائماً مفاجآت وحقائق جديدة تنتظر من يزيح عنها الستار، و"أدريا الكبرى" مثال مثالي على ذلك.

ذو صلة