ابتكار مذهل: إنشاء كسوف شمسي اصطناعي يكشف أسرار الشمس الدفينة

3 د
نجحت مركبتان فضائيتان في خلق كسوف شمسي اصطناعي في الفضاء.
المهمة تهدف إلى دراسة الهالة الشمسية التي يصعب رؤيتها عادة.
تدور المركبتان في مدار يتيح حجب الشمس بشكل كامل تقريباً.
"بروبا-3" ستتمكن من خلق كسوف كل 20 ساعة لمدة تصل إلى ست ساعات.
توقعت المهمة أن تنتج أكثر من ألف ساعة من الكسوف الاصطناعي.
ظاهرة مثيرة رصدتها مركبتان فضائيتان: نجاح أول تجربة لإنشاء كسوف شمسي اصطناعي
ربما اعتدت سماع أخبار حوادث الكسوف الشمسية الطبيعية التي تمر بين فترة وأخرى، لكن هل تخيلت أن البشرية تكون قادرة على خلق كسوف شمسي اصطناعي في الفضاء؟ هذا بالضبط ما نجحت به مؤخراً اثنتان من المركبات الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، في إطار بعثة علمية مميزة تحت اسم "بروبا-3".
بدأت القصة حين أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية عن نجاح أولى محاولاتها لإنتاج صورة حقيقية للغلاف الجوي الخارجي للشمس، المعروف علمياً باسم "الهالة الشمسية" أو "الكورونا"، والذي عادة ما يكون خفياً عن الأنظار بسبب وهج الشمس القوي. ولتحقيق هذا الهدف، قامت المركبتان الفضائيتان بترتيب نفسيهما بطريقة فريدة، بحيث حجبت إحدى المركبات الشمس بشكل كامل تقريباً عن عدسة المركبة الثانية، ما أدى إلى ظهور مشهد يحاكي تماماً الكسوف الطبيعي.
وهنا لا بد أن نتساءل: كيف تتم هذه العملية بالضبط؟ في الواقع، تدور المركبتان في مدار إهليلجي حول الأرض، حيث تصل المسافة بينهما في أقصى نقطة إلى حوالي 150 متراً. وعندما تكونان على بعد حوالي 60 ألف كيلومتر من الأرض، تقوم إحدى المركبتين بإلقاء ظل يقلّد تماماً ظل القمر، فتنكشف الهالة الشمسية بكل وضوح وبدون الحاجة لأي معالجة معقدة للصور. ويؤكد عالم الشمس أندريه جوكوف من المرصد الملكي في بلجيكا سعادته الغامرة بهذه الطريقة بقوله: "كان المنظر مذهلاً حقاً، إذ استطعنا رؤية الكورونا وكأننا في كسوف شمسي حقيقي بدون أي تعديل أو تحسين للصور".
يعرف العلماء منذ فترة طويلة أن درجة حرارة الهالة الشمسية تفوق بكثير درجة حرارة سطح الشمس نفسه، لكن لا يزال سبب هذه الظاهرة الغريبة غير واضح تماماً. ومن المتوقع أن هذه المهمة ستساعد الباحثين في إيجاد إجابات دقيقة لهذه التساؤلات الملحة، ذلك أن رصد الهالة الشمسية الدقيقة ممكن فقط أثناء لحظات الكسوف الشمسي الكامل.
مقارنةً بالكسوف الطبيعي الذي يستمر دقائق قليلة مرة كل قرابة 18 شهراً على سطح الأرض، تستطيع هاتان المركبتان تكرار الكسوف بما يتجاوز كل ما رسمتُه توقعات العلماء سابقاً. فحسب وكالة الفضاء الأوروبية، ستتمكن "بروبا-3" من خلق كسوف اصطناعي كامل كل 20 ساعة، ويمتد الكسوف الواحد لما يصل إلى ست ساعات متواصلة.
هذا الإنجاز العلمي الواعد تم تدشينه بعد إطلاق المركبتين من منصة في الهند في الخامس من ديسمبر الماضي، وفي إطار هذه المهمة التي ستمتد لنحو عامين، من المخطط أن تنتج المركبتان أكثر من ألف ساعة من الكسوف الاصطناعي. ومن المؤكد أن هذه الساعات الغنية ستفتح عالماً جديداً من المعلومات التي كنا نعتبرها قبلاً بعيدة المنال.
نجاح "بروبا-3" اليوم يقدم أملاً مهماً في مستقبل أبحاث الشمس، وربما مع نتائج أكثر وضوحاً ومعلومات أعمق حول هالة الشمس. ولتصبح هذه التجربة أكثر إفادة ومتانة مستقبلاً، قد يكون من الأنسب اختيار مصطلحات أكثر سلاسة في وصف التقنية، كاستخدام "طبقة الشمس الخفية" بدلاً من "الهالة الشمسية"، وإضافة لمحات بسيطة تشرح للقارئ علاقة هذه المهمة بحياته اليومية، وما قد يستفيد منه مستقبلاً من فهم أفضل للشمس وتأثيراتها على كوكبنا.