ذكاء اصطناعي

ابتلع بكتيريا… وودّع حصوات الكلى إلى الأبد!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

نجح فريق بحثي في تعديل بكتيريا معوية لتكسير الأوكسالات، مما يساهم في علاج حصوات الكلى.

أثبتت تجارب أولية على الفئران والبشر انخفاض مستويات الأوكسالات بشكل ملحوظ.

تُسلط البكتيريا المعدلة الضوء على إمكانية علاج الأمراض عبر تعديل الميكروبيوم.

يواجه العلماء تحديات في التطبيق السريري، خاصة مع المرضى ذوي البيئات المعوية المضطربة.

تفتح هذه الأبحاث آفاقًا لتطوير علاجات جديدة لأمراض أيضية وحالات صحية أخرى.

في خطوة قد تغيّر طريقة التعامل مع أمراض الكلى، نجح فريق بحثي دولي في تعديل بكتيريا تعيش في الأمعاء لتصبح قادرة على تكسير مادة الأوكسالات، وهي المركب المسؤول عن تكوّن حصوات الكلى. هذه البكتيريا، التي تحمل اسم *Phocaeicola vulgatus*، جرى تعديلها وراثياً بحيث تستطيع الاستقرار داخل الميكروبيوم المعوي، وتستمد غذاءها من مركب محدد يُسمى البورفيرين. تجارب أولية على الفئران ومتطوعين أصحاء أظهرت بالفعل انخفاضاً في مستويات الأوكسالات، بحسب ما نشرته مجلة *Science*.

وهذا يربط بين الفكرة الأولية في المختبر وبين إمكانية الوصول إلى تطبيقات علاجية حقيقية على البشر.


لماذا الأوكسالات خطيرة؟

الأوكسالات هي مادة طبيعية موجودة بكثرة في بعض الأطعمة مثل السبانخ والمكسرات، لكن ارتفاع نسبتها في الدم أو البول يسبب ما يُعرف بفرط الأوكسالوريا، وهو ما يزيد من احتمالات تكوّن حصوات الكلى المؤلمة. وفي الحالات الأكثر خطورة يمكن أن يؤدي تركز الأوكسالات إلى فشل كلوي حاد أو حتى مرض مزمن قد يتطلب الغسل الكلوي. أسباب هذه الحالة متنوعة: بدءاً من النظام الغذائي الغني بالأوكسالات، مروراً بجراحات الجهاز الهضمي مثل جراحة السمنة، وصولاً إلى العيوب الوراثية في التمثيل الغذائي.

من هنا يصبح التداوي عبر البكتيريا المعدلة خياراً مثيراً للاهتمام، لأنه قد يوفر وسيلة طبيعية لتقليل امتصاص الأوكسالات من الأمعاء.


تحديات التطبيق السريري

ورغم النتائج المبشرة، واجه العلماء تحديات خلال التجارب السريرية الأولية مع المرضى الذين خضعوا لجراحات أدت إلى زيادة امتصاص الأوكسالات. إذ أظهرت البيانات أن فعالية العلاج كانت أقل مقارنة بالمتطوعين الأصحاء. يعود ذلك إلى التعقيد الكبير في بيئة الأمعاء لدى المرضى، حيث يعيش الميكروبيوم في ظروف مضطربة تجعل من الصعب على البكتيريا المعدلة أن تستقر وتؤدي عملها بكفاءة.

وهذا يعكس الحاجة إلى دراسات أطول وأكثر عمقاً لتجاوز هذه العقبات وضمان الأمان والسلامة.


آفاق أبعد من حصوات الكلى

الأهمية لا تقف عند حدود حصوات الكلى فقط، بل تمتد إلى فكرة ابتكار وسيلة جديدة للعلاج عبر تعديل الميكروبيوم. فالفريق البحثي أثبت إمكان تصميم بكتيريا علاجية يتم التحكم في بقائها من خلال تغذيتها على عنصر غذائي بعينه، ما يعني القدرة على إبطال مفعولها بمجرد التوقف عن تزويدها بذلك العنصر. هذه التقنية قد تفتح الباب لتوظيف البكتيريا ليس فقط في إزالة مركبات ضارة، بل أيضاً في إنتاج مركبات نافعة مثل الفيتامينات أو الأحماض الدهنية القصيرة السلسلة التي ترتبط بخصائص مضادة للالتهاب وتأثيرات مضادة للشيخوخة.

وبهذا يتحول المشروع من مجرد علاج تجريبي إلى منصة واعدة لمعالجة أمراض أيضية متنوعة.


المخاطر وما بعد التجارب

مع ذلك، هناك مخاطر قائمة يجب التعامل معها، أبرزها احتمالية تبادل الجينات بين البكتيريا المعدلة وباقي الميكروبات في الأمعاء، وهو ما يشكل تحدياً لسلامة الاستخدام على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك، كانت أعداد المشاركين في التجارب محدودة ومدة المتابعة قصيرة، ما يجعل الدراسة في هذه المرحلة مجرد إثبات لفكرة تحتاج إلى مزيد من التطوير.

وبالتالي يظل الطريق طويلاً قبل أن تتحول هذه الاكتشافات إلى علاج متاح في العيادات.

ذو صلة

الخلاصة

ما تحقق حتى الآن يعد خطوة مهمة في مجال العلاج عبر الميكروبيوم. فإمكانية استخدام بكتيريا معدلة للسيطرة على مستويات الأوكسالات قد تفتح الباب لعلاج حصوات الكلى بشكل أكثر طبيعية وفاعلية، لكنها في الوقت ذاته تكشف التحديات الهائلة الكامنة في التلاعب بالنظام الميكروبي المعقّد للإنسان. مستقبل هذه الأبحاث قد يمتد من تحسين صحة الكلى إلى ابتكار علاجات واسعة النطاق لأمراض أيضية ومناعية أخرى، ما يعكس بداية فصل جديد في العلاقة بين الإنسان و«سكان» أمعائه.

ذو صلة