احذر.. متصفحك يتيح للمواقع تعقّبك حتى وإن حذفت الكوكيز!

3 د
ما زالت المواقع قادرة على تتبعك دون ملفات الكوكيز بمساعدة "بصمة المتصفح".
تسمح "بصمة المتصفح" للمواقع بتحديد هوية المستخدم بدقة من خلال بيانات تقنية مخفية.
لا يخفي وضعية التصفح الخفي هذه التقنية، ما يطرح تحديات للخصوصية الرقمية.
تحث الدراسة على إعادة النظر في قوانين حماية البيانات الحالية لمواجهة هذه التقنيات الخفية.
يحتاج المستخدمون إلى وعي أكبر لحماية خصوصيتهم خارج نطاق حذف ملفات الكوكيز.
يعتقد الكثيرون منا أننا إذا أغلقنا متصفحنا، أو حذفنا ملفات "الكوكيز"، فإننا في أمان تام من الرقابة الإلكترونية، فقد اعتدنا على شعور زائف بخصوصية هويتنا على الإنترنت. ولكن دراسة حديثة كشفت الحقيقة الصادمة، وهي أننا نخضع لرقابة رقمية مستمرة بطرق مخفية لم نكن نتخيل وجودها من قبل.
فمؤخرًا، أوضح باحثون متخصصون في الأمن السيبراني أن المواقع الإلكترونية قادرة على تتبع المستخدمين وتعريفهم، حتى دون استخدام ملفات تعريف الارتباط المألوفة باسم "الكوكيز". اعتمد هذا الاكتشاف الجديد على أسلوب يُعرف بـ "بصمة المتصفح" أو "Browser fingerprint"، وهي بصمة رقمية فريدة تشبه الهوية الشخصية، يُنتجها المتصفح وتتكون من بيانات مثل المنطقة الزمنية، ودقة الشاشة، ونوع نظام التشغيل، وغيرها من التفاصيل الدقيقة جدًّا التي تبدو غير مهمة لنا.
كيف تعمل بصمة المتصفح ولماذا هي خطيرة؟
أصبحت "بصمة المتصفح" واحدة من أخفى طرق التجسس الإلكتروني، لكونها لا تُخزن على جهازك ولا تظهر في سجلات التصفح بشكل ظاهر، كما هو الحال مع الكوكيز التقليدية. وشرح الباحث زينغروي ليو، أحد المشرفين على الدراسة، قائلاً: "تخيل أنك تترك توقيعًا رقميًا خاصًا بك في كل مرة تدخل فيها إلى موقع إلكتروني، الأمر نفسه يحدث مع هذه البصمة غير المرئية، فمتصفحك يكشف عنك أكثر مما تتخيل."
لا يمكن التخلص من هذه البصمة الرقمية عن طريق حذف الكوكيز أو استخدام وضعية التصفح الخفي "incognito"، لأنها تتألف من مجموعة تفاصيل فنية تُرسل تلقائيًا ولا يمكن إيقافها بسهولة. وهذه التفاصيل، رغم كونها أساسية لعرض المواقع بشكل صحيح، يمكن توظيفها أيضًا لأغراض تسويقية وتجارية وربما وحتى رقابية وأمنية.
وقد أكد الباحثون من خلال تجربة عملية فعالية هذه البصمة الرقمية في التتبع، إذ طوروا أداة تدعى "FPTrace"، وهي أداة مكنتهم من تغيير بصمة المتصفح ورصد رد فعل شركات الإعلان. وأثبتت النتائج أن الإعلانات وأسلوب تقديمها يتغير تلقائيًا اعتمادًا على البصمة الجديدة، ما أكد أن الشركات تستغل هذه التقنية فعليًا.
وهنا لا بد أن تتساءل ما جدوى كل الإجراءات التي نتخذها الآن لحماية خصوصيتنا الرقمية، مثل قوانين حماية البيانات في أوروبا (GDPR) وأمريكا (CCPA)، وهل ما تزال هذه القوانين فاعلةً فيما يخص هذه التقنيات الجديدة الخفية؟
وفقًا للدراسة، فإن المستخدمين الذين طلبوا رسميًا عدم تتبعهم وفقًا لهذه القوانين ما زالوا عرضة للتعقّب عن طريق "بصمة المتصفح" هذه. ويعود السبب إلى أن تلك التقنية التخفيّة تعمل على مستوى رمادي لم تغطه بشكل كافٍ القوانين الحالية، والتي تركز على الكوكيز وأدوات التخزين التقليدية التي يسهل اكتشافها وإيقافها.
وبالرغم من تداول موضوع "بصمة المتصفح" بين خبراء الخصوصية في السنوات الأخيرة، فإن هذه الدراسة تُعد أول دليل أكاديمي قاطع يثبت استخدامها بشكل حقيقي للتعقب والاستهداف التسويقي، الأمر الذي قد يشجع الهيئات المسؤولة على إعادة النظر في قوانين الخصوصية لحماية المستخدمين.
حاليًا، يعتقد الباحثون أن الأداة الجديدة FPTrace يمكن أن تصبح مفيدة جدًا للجهات التنظيمية والمشرعين، وتساعدهم في الكشف عن عمليات التجسس الخفية هذه، وبالتالي تعطيهم فرصة لتشديد الرقابة وإنشاء إطار قانوني أكثر فاعلية لحماية الخصوصية.
في الختام، يُبين هذا البحث صعوبة مواجهة تقنيات التعقّب المتقدمة، لذا، على القارئ أن يدرك جيدًا أن حماية هويته وبياناته الشخصية على الإنترنت باتت أكثر تعقيدًا من مجرد حذف ملفات الكوكيز. وبما أن وعي المستخدم هو الخطوة الأولى تجاه الأمان، فقضاء بعض الوقت في معرفة تفاصيل متصفحك وإجراءاته الأمنية أصبح ضرورة لا خيارًا إضافيًا. وربما على المتصفحات المستقبلية تضمين وسائل أوضح لتوعية المستخدمين حول هذه المخاطر الخفية وإعطائهم اختيارًا فعليًا للتفاعل معها بحذر ومسؤولية.