اختراق علمي: أوضح صورة للذرات في التاريخ بتكبير 100 مليون مرة تكشف اهتزازها الحراري!

4 د
كشف علماء جامعة كورنيل عن أدق صورة لذرات "براسيوديميوم أورثوسكانديت" بتكبير 100 مليون مرة.
التقنية المُستخدمة تسمى "بيتكوجرافيا الإلكترون"، تُعزز رؤية الذرات بتفاصيل غير مسبوقة.
التطور الجديد يحتمل تأثيرًا كبيرًا في تطوير معالجات أسرع وبطاريات تدوم أطول.
يسعى العلماء لتقديم حلول تكنولوجية في الإلكترونيات والبطاريات مستندة لرؤية الذرات الدقيقة.
تخيل أنك تغوص بعينيك إلى أعماق مادة صلبة حتى تصل إلى أصغر جزء فيها: الذرة نفسها. هذا لم يعد مجرد حلم للعلماء؛ فقد تمكن باحثون من جامعة كورنيل من إنتاج صورة هي الأعلى دقة لذرات تم التقاطها على الإطلاق، عن طريق تقنية متطورة تسمى "بيتكوجرافيا الإلكترون" (electron ptychography). صورة لمادة "براسيوديميوم أورثوسكانديت" ثلاثية الأبعاد، تم تكبيرها 100 مليون مرة – أي أنها تمنحنا إطلالة واضحة على عوالم لم تكن مرئية للبشر من قبل. الأمر المذهل أن هذه النتيجة تضع حجر الأساس لتطوير معالجات إلكترونية أسرع وشرائح حاسوبية أكثر كفاءة، وربما بطاريات يصمد شحنها أطول بكثير من المتاح اليوم.
الانتقال إلى هذه القفزة العلمية لم يأت بين يوم وليلة، بل هو تتويج لعقود من العمل والتطوير في مجالي المجهر الإلكتروني ونظريات التصوير المتقدمة. وبالحديث عن ذلك، فإن دقة الصورة التي كشفها فريق كورنيل تتجاوز حتى الرقم القياسي السابق الذي حصدوه عام 2018. هذه التقنية قد تغير قواعد اللعبة في صناعة الإلكترونيات مستقبلاً.
كيف تعمل بيتكوجرافيا الإلكترون؟
لفهم أهمية هذه الصورة الثورية، من الضروري أن نلقي نظرة على التقنية ذاتها. بيتكوجرافيا الإلكترون تعتمد فكرة ذكية: يُطلق شعاع إلكتروني على المادة المراد دراستها، يفوق عدد الإلكترونات فيه المليار إلكترون في الثانية. يتحرك هذا الشعاع بشكل بالغ الصغر عبر العينة، بحيث تصطدم الإلكترونات بذرات المادة من زوايا متعددة. جزء من الإلكترونات يمر مباشرة، وآخر "يرتطم" بذرات العينة ويتبعثر بطرق معقدة قبل أن يصل إلى كاشف حساس. العلماء يستفيدون من نمط "النمش الإلكتروني" – وهو ترتيب معقد تخلقه هذه الإلكترونات على الكاشف – في إعادة بناء صورة دقيقة جداً لترتيب الذرات. يمكن تشبيه الأمر بلعبة "الكرة الطائرة في الظلام"، حيث كل إلكترون أشبه بكرة ترتد وتخبرنا عن موقع تصادمها بناءً على المكان الذي ظهرت فيه بالنهاية. الخوارزميات والذكاء الاصطناعي تلعب دوراً محورياً في ترجمة هذه الأنماط إلى صور واقعية.
وهنا يرتبط الموضوع بطفرة أخرى؛ ففي السابق كان يمكن لهذه التقنية أن تصوّر طبقات دقيقة من الذرات (بضعة ذرات فقط)، لكن التحديث العلمي الأخير مكّن الفريق من تصوير طبقات أعمق، تتكون من عشرات بل مئات الذرات. هذا التغيير الجذري يجعل التقنية مستساغة أكثر لعلماء المواد والمهندسين الذين يعملون عادة على عينات بسماكة عشرات النانومترات – وهو تقدم يحتاجه العالم العلمي بشدة.
من المجهر الإلكتروني إلى ثورة التصوير الذري
بالانتقال تدريجياً من التطور التقني إلى آثاره، نجد أن ابتكار طرق جديدة لرؤية الذرات بهذه الدقة يدفع بعجلة تطوير مواد مستقبلية لأبعد الحدود. فكرة المجهر الإلكتروني ليست جديدة؛ فقد تم اختراعه في الثلاثينات وأتاح للعلماء رؤية أشياء دقيقة مثل الفيروسات الصغيرة التي لا تظهر تحت الضوء العادي. لكن الوصول إلى حدود جديدة في الدقة ظل تحدياً، فرفع طاقة شعاع الإلكترونات كان يؤدي مراراً لتلف العينة. تقنية بيتكوجرافيا الإلكترون تتغلب على هذا التقييد: فهي تجمع معلومات أكثر في كل موقع من مسار الشعاع دون زيادة طاقته، ما يسمح بتصوير العينات دون إلحاق الضرر بها.
استكمالاً لما سبق، واجه الباحثون تحدياً كبيراً فيما يعرف بمشكلة "التبعثر المتعدد" – أي ارتداد الإلكترونات بشكل معقد للغاية داخل المادة السميكة مما يصعب تفكيكه وتفسيره. لكن باستخدام نماذج رياضية مطورة وموارد حوسبة جبارة، نجح الفريق في تحديد شكل وترتيب الذرات بدقة غير مسبوقة. ارتباط هذا النجاح بالتطوير المستمر للمجاهر وكواشف الإلكترونات يكشف أن رحلة العلم في هذا الميدان لا تزال في بدايتها.
آفاق جديدة: الإلكترونيات، البطاريات وعالم الطاقة المتجد
كل هذه الابتكارات العلمية تدفعنا للتساؤل: لماذا يهتم العلماء أصلاً برؤية الذرات بهذا التفصيل؟ السبب يكمن في سباق تطوير الإلكترونيات الحديثة والبحث عن بدائل لمواد السيليكون التقليدية التي تستخدم في الرقائق الحاسوبية. فكي يتمكن المهندسون من تصميم شرائح إلكترونية فائقة الأداء أو بطاريات أكثر أماناً وسعةً للسيارات الكهربائية وأجهزة الطاقة المتجددة، عليهم أن يفهموا أدق التفاصيل الذرية للمواد وكيف تتفاعل الإلكترونات داخلها.
وإلى جانب الإلكترونيات، يشير العلماء إلى أن تلك التقنية ستفتح آفاقاً جديدة في دراسة مواد البطاريات وتفاعلاتها الكيميائية. فمع الانتقال العالمي نحو الطاقة النظيفة كالرياح والطاقة الشمسية، يصبح تصنيع بطاريات قوية وطويلة العمر ضرورة ملحة. هنا تكمن أهمية القدرة على مراقبة ما يحدث داخل البطارية وهي تعمل – حتى مع وجود طبقات معقدة وكثيفة من المواد.
من هذا المنطلق، تظهر بيتكوجرافيا الإلكترون بوصفها الأداة السحرية التي ينتظرها العلماء للعقود القادمة. ومع ذلك، يبقى الطريق طويلاً؛ فالتحدي المقبل هو تحديد مواقع الذرات الفردية بدقة في مواد معقدة ثلاثية الأبعاد دون هامش شك.
ختاماً، يمكن القول إن أفق العلم والتكنولوجيا اتسع كثيراً بهذا الإنجاز. إذا أردنا إضافة لمسة لغوية أقوى لأحد تفاصيل المقال، نستطيع مثلاً استبدال "فتح آفاق" بـ"كسر الحواجز" لإضفاء مزيد من الحركية. كما أن تطوير بعض الروابط بين الفقرات – مثل توضيح كيف أن كل تقدم في التصوير الذري يدفع الصناعات المستقبلية للمبتكرين – يعزز ترابط النص. في المجمل، يصبح حلم فهم الذرة عن كثب ليس مجرد غاية للعلماء، بل حافزاً لتحسين نوعية الحياة وتحقيق قفزات نوعية في التقنيات التي ندهن بها حاضرنا ومستقبلنا.