اكتشاف 46 نوعاً من الحيوانات عاشت قبل 75 ألف سنة يكشف أسرار العصر الجليدي

3 د
اكتشف علماء كهفًا بشمال النرويج يحتوي على بقايا 46 نوعًا من الحيوانات.
يسلط الاكتشاف الضوء على الحياة خلال العصر الجليدي ويقدم رؤى للتغيرات المناخية.
يحتوي الكنز الأحفوري على بقايا بحرية وبرية، مما يعكس التنوع البيئي القديم.
تكشف دراسة الحمض النووي عن انقراضات بسبب عدم تحمل تغيرات المناخ القاسي.
تربط الاكتشافات بين الماضي والحاضر في مسألة التكيف البيئي مع التغيرات المناخية.
ما فعله فريق علمي في كهف ناءٍ بشمال النرويج أشبه بكشف نافذة زمنية تطل على عالم منقرض؛ فهم لم يعثروا فقط على هياكل عظمية، بل وجدوا مفاتيح لفهم التغيرات المناخية التي شكلت كوكب الأرض، وربما تغير نظرتنا لما يحدث اليوم.
في قلب الشمال الأوروبي، وسط صخور جليدية وصمتٍ ثقيل، اكتشف باحثون نرويجيون وبريطانيون بقايا 46 نوعاً مختلفاً من الحيوانات عاشت في المنطقة قبل 75 ألف سنة، أي خلال ذروة العصر الجليدي. هذا الاكتشاف المذهل في مغارة "آرنه كفامغروتا" لم يقدّم مجرد معلومات أثرية، بل أتاح، للمرة الأولى، فرصة نادرة لاستكشاف كيف استجابت الكائنات الحية لقفزات حادة في درجات الحرارة وتغيرات بيئية عميقة. وهنا تظهر أهمية الربط بين الماضي البعيد والمخاوف الحديثة من التغير المناخي السريع الذي نعيشه اليوم، حيث تزداد الحاجة لفهم كيف قاومت النظم الإيكولوجية صدمات مماثلة.
فسيفساء لحياة منقرضة بين البر والبحر
يبرز هذا الكنز الأحفوري تنوعاً مذهلاً؛ فقد عُثر فيه على بقايا الدب القطبي والفظ وحيتان الرءوس المقوسة وطائر البفن وجلم الماء وسمك القد الأطلسي، إلى جانب حيوانات برية مثل الرنة وثدييات صغيرة وأسماك المياه العذبة. إضافة إلى ذلك، ظهرت أنواع لم تكن معروفة في المنطقة من قبل، منها اللاموس المطوق، القارض الذي كان شائعاً في أوروبا حتى اختفائه في نهاية العصر الجليدي الأخير منذ نحو 11 ألف عام. هذا التداخل البيئي، الذي جمع بين بقايا الأحياء البحرية والبرية، يعكس طبيعة المنطقة الساحلية عند ذوبان الجليد قبل آلاف السنين، إذ تحولت السواحل إلى بيئة خصبة استقطبت المهاجرين من الحيوانات واحتضنت تنوعاً ثرياً بين بيئات المياه العذبة والمالحة.
ومع هذا المشهد الذي يُحاكي تعقيد الطبيعة وتداخل عناصرها، يأتي سؤال جديد حول أثر اختفاء هذه الأنواع واستبدالها بسلالات جديدة أو اندثارها كلياً، خاصة عند حدوث موجات برد جديدة. هذا يقودنا مباشرةً إلى أهمية تحليل بقايا الحمض النووي التي استخرجها الفريق العلمي، إذ بين الكشف أن معظم الحيوانات لم تحتمل عودة البرد الشديد بعد فترة الدفء، فانقرضت جماعات بأكملها ولم تُمنح فرصة للهجرة مع زحف الجليد مجدداً.
ضوء جديد على أسرار العصر الجليدي الشمالي
إنطلاقاً من هذا المنظور، تظهر قيمة الكهف الأثري ليس فقط في كونه محفوظاً بعناية رغم ظروف التجلّد، بل أيضاً كمصدر فريد لسجلات عمرها أكثر من 10 آلاف سنة، وهو أمر نادر في مناطق الشمال الشديدة البرودة. هذا الأمر يؤكد أهمية أدوات علمية حديثة مثل التأريخ بالكربون المشع ودراسة رواسب التربة والعظام، حيث يستطيع العلماء تتبع أثر التغيرات البيئية وحركة الأنواع البرية والبحرية خلال آلاف السنين. وبفضل تأريخ العظام والرواسب، تتبلور صورة جديدة للعصر الجليدي ليست فقط كالتي نراها في الرسوم أو الأفلام الشهيرة عن الماموث وأسود الكهوف، بل حياة متداخلة الديناميات البيئية بين تقلبات التجلد والدفء وصعود وهبوط مستويات البحر والجليد.
ويربط هذا السياق مباشرة قضايا الماضي بالحاضر، إذ يرى الباحثون أن دراسة الاستجابة القديمة للأنواع لتغير المناخ القاسي لا تساعد فقط من الناحية الأكاديمية، بل تقدّم إشارات حيوية لصناع القرار البيئي اليوم حول كيفية دعم الأنظمة المهددة، وفهم حجم المخاطرة التي تواجهها الحيوانات المتكيفة مع البرودة الشديدة.
وفي الوقت الذي يعود فيه العالم مرة أخرى لوتيرة تغير مناخي متسارعة، يبدو أن ما وثّقته الكهوف النرويجية منذ آلاف السنين يوضح أن التكيف مع النكبات البيئية لم يكن سهلاً يوماً على الكائنات القطبية. فالأنواع التي اعتادت البرد القارس عجزت عن الهروب أو التحور عندما تحوّل المناخ فجأة، واليوم أصبحت موائلها أكثر تقطعاً، ما يجعل فرص نجاتها أصعب.
تذكّرنا هذه الدراسة أن الطبيعة ظلت عبر العصور سجلاً حياً لتحولات المناخ والجغرافيا، وأن العودة لفهم تفاصيل تلك القصص القديمة قد يحمل مفاتيح حلول اليوم. وربما لو شددنا على شرح المصطلحات العلمية الغامضة وشخصنا بالحديث عن ضغوط الأحياء في مواجهة الأزمات البيئية، لصار وقع هذه الاكتشافات أكثر حميمية وإلهاماً. يمكن أيضاً أن نعزز ترابط الفقرات بجمل انتقالية تشير إلى اتصال رحلات البحث الحديثة بطموحات البشر في حماية إرث الأرض وأحيائها. حينها فقط سيظل العلم مرآة تعكس الماضي والمستقبل معاً.