ذكاء اصطناعي

اكتشاف جزيء يشبه المفتاح… قد يفتح باب علاج هشاشة العظام نهائيًا

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف باحثون من جامعة لايبزغ مستقبِل جديد يُسمى GPR133 للحفاظ على قوة العظام.

استُخدم مركب AP503 لتحفيز المستقبل وزيادة كثافة العظام في الفئران.

يسعى الباحثون لاستخدام الـ AP503 للوقاية وعلاج هشاشة العظام خاصة للنساء بعد سن اليأس.

أظهرت الدراسات أن AP503 أيضًا يعزز قوة العضلات بجانب العظام.

حين يهدد ضعف العظام ملايين الأشخاص، وخاصة النساء بعد سن اليأس، تظهر من ألمانيا بارقة أمل جديدة. نجح فريق من باحثي جامعة لايبزغ في تحديد مستقبل حيوي خفي يحمل اسم GPR133 يلعب دوراً مركزياً في إبقاء العظام قوية. ليس هذا فحسب، بل وجدوا أيضاً مركّباً واعداً يسمى AP503 يعمل كمنشط لهذا المستقبل، فاستطاعوا باستخدامه زيادة كثافة العظام لدى الفئران وحتى عكس أعراض تشبه هشاشة العظام!

هشاشة العظام واحدة من أكبر المشاكل الصحية حول العالم، خصوصاً في المانيا حيث يعاني منها قرابة ستة ملايين شخص - الغالبية من النساء. وهذا يؤدي إلى ضعف بنية العظام وزيادة احتمال الكسور وصعوبة الشفاء. معظم العلاجات المتاحة اليوم إما فعّالة جزئياً أو تحمل آثارًا جانبية مع الاستخدام الطويل. لذا يعمل العلم بلا كلل على إيجاد حلول أذكى وأكثر أماناً.

هنا يأتي اكتشاف مستقبل GPR133، الذي ينتمي لفصيلة كبيرة تُدعى "مستقبلات البروتين المتصل بالجي بروتين" (GPCR) - وهي بروتينات منتشرة على سطح الخلايا تنقل الرسائل الكيميائية المهمة. في الدراسة الجديدة، وجد الباحثون أن إعاقة عمل هذا المستقبل عند الفئران يؤدي إلى فقدان كثافة العظام في سن مبكر، ما يشبه كثيراً تطور هشاشة العظام عند البشر. وهو ما يشير لقيمة هذا المستقبل الحيوية في الحفاظ على بنية العظام الطبيعية. وعندما جُرّب عليهم مركّب AP503 – الذي صمم خصيصاً عبر برامج الحوسبة الحديثة لتحفيز GPR133 – حدثت مفاجأة: تحسّنت قوة العظام بشكل كبير، ليس فقط لدى الفئران السليمة بل أيضاً لدى فئران أُصيبت بضعف العظام بفعل التقدم بالعمر.

وعلى ذكر هذا التقدم، فإن فهم آلية عمل المستقبل GPR133 يفتح الباب أمام استخدام علاجات جديدة أكثر دقة. فعندما يحدث تفاعل بين خلايا العظام وبعضها، أو عندما تتعرض العظام للضغط الميكانيكي – كالمشي أو حمل الأوزان – ينشط هذا المستقبل ليزيد من عمل الخلايا البنّاءة للعظم، ويقلل من نشاط الخلايا التي تكسره. وبعبارة أبسط، يصبح للعظام فرصة أكبر للتماسك والتجدد الطبيعي. انطلاقًا من ذلك، يأمل العلماء أن يكون بمقدور مركب AP503 قريبًا دعم صحة العظام، سواء في السياق الوقائي لدى الأشخاص الأصحاء أو لعلاج حالات الهشاشة، وخصوصًا لدى النساء بعد انقطاع الطمث.


من دراسة إلى تطبيق: أفق جديد للطب العظمي

ما يزيد الاكتشاف قوة هو أن بحث الفريق الألماني لم يتوقف عند هذا الحد؛ فاستعمال AP503 سبق أن أظهر نتائج مبشرة أيضاً في تقوية العضلات الهيكلية – كما كشفت دراسة سابقة لنفس المجموعة البحثية. هذا التأثير المزدوج على العظم والعضل يعكس مدى أهمية المستقبل GPR133 في الجسم البشري، ويشجع على تطوير أدوية تستهدفه وتغطي طيفاً من أمراض الشيخوخة المرتبطة بالجهاز الحركي.

واستكمالاً للسياق، فإن فريق لايبزغ يقود حالياً عدة مشاريع أخرى لاستكشاف مجالات أوسع لاستخدام هذا المركب الواعد، وفهم الدور الكامل لمستقبل GPR133 في أعضاء الجسم المختلفة. ويأتي كل هذا ضمن جهود علمية مركزة منذ أكثر من عشر سنوات بحثاً في ديناميكا مستقبلات GPCR، وهو مجال عزز مكانة ألمانيا كمركز عالمي لبحوث مستقبلات الخلايا.

ذو صلة

كل هذه التطورات تبعث برسالة إيجابية لملايين المرضى: العلم في سباق حثيث لإيجاد حلول جذرية لهشاشة العظام، وتوحيد قوى الهندسة البروتينية، العلوم الحياتية، والتقنية الرقمية. ومع نجاح تجارب الفئران، ينتظر العالم تطبيق هذه النتائج في تجارب سريرية على البشر تمهيداً للوصول إلى أدوية تثبت فعلاً أنها ثورة حقيقية في مكافحة هشاشة العظام.

في المحصلة، تقدم أبحاث جامعة لايبزغ مثالاً باهراً على كيف يمكن للاكتشافات الدقيقة في علم المستقبلات والوراثة أن تفضي لعلاجات واعدة تدعم كبار السن وتحمي بنية العظام ضد التآكل الطبيعي ومخاطر الشيخوخة، وتحمل الأمل في غدٍ صحي خالٍ من الهشاشة وقلة الحركة.

ذو صلة