ذكاء اصطناعي

اكتشاف جينات البيات الشتوي في البشر: هل نحن على أبواب ثورة طبية جديدة؟

محمد كمال
محمد كمال

4 د

اكتشف العلماء أن البشر يمتلكون جينات مشابهة لحيوانات البيات الشتوي.

تحتوي الدراسة على تجارب باستخدام تقنية "كريسبر" على فئران لتفعيل هذه الجينات.

تهدف النتائج إلى تطوير علاجات لأمراض مثل السكري والسمنة.

التطبيق المباشر للبشر لا يزال يتطلب مزيدًا من البحث والدراسة.

قد تمهد هذه الأبحاث الطريق لعلاجات ثورية في المستقبل.

هل تخيلت يوماً أن جينات البشر قد تحمل في طياتها قدرات كامنة مستمدة من الطبيعة، تشبه القوى الخارقة التي يمتلكها بعض الحيوانات؟ هذا بالتحديد ما كشفته دراسة علمية حديثة، أثارت جدلاً واسعاً حول مفهوم "البيات الشتوي" وإمكانية توظيفه لخدمة صحة الإنسان. لنقترب أكثر من هذه الفكرة المثيرة التي قد تنسج مستقبلاً جديداً في الطب ومعالجة الأمراض المزمنة.

البداية كانت هنا: اكتشف فريق من الباحثين في الولايات المتحدة، بقيادة الأستاذ كريستوفر غريغ من جامعة يوتا، أن لدى البشر نفس الجينات التي تعتمد عليها حيوانات البيات الشتوي في التحكم بعمليات الأيض لديهم عند دخولها هذه الحالة من السكون الشديد وانخفاض النشاط. من المعروف أن الدببة والسناجب مثلاً تنعم بقدرة مذهلة على الهبوط بدرجة حرارة الجسم وخفض معدل الأيض، بل وتقي نفسها من تلف الأعصاب وضغط الجوع القاسي، أثناء سبات يمتد لأشهر. هذه القدرات الفسيولوجية اعتبرها العلماء بمثابة "قوى خارقة بيولوجية"، وهنا تأتي المفارقة: بعض جينات البيات الشتوي موجودة فعلاً لدى الإنسان، لكنها خاملة أو غير فعالة بنفس الطريقة. هذا يدفعنا للتساؤل: ماذا لو استطعنا تنشيط تلك الجينات أو الاستفادة منها لعلاج أمراض العصر مثل السكري والسكتات الدماغية والسمنة؟

ولا يقتصر الاهتمام بمفعول هذه الجينات على الجانب النظري فقط، فقد أجرى العلماء تجارب باستخدام فئران مخبرية – وهي كائنات لا تدخل في سبات شتوي حقيقي، لكنها تمر أحياناً بحالة قريبة تُسمى "الخمود". يُقصد بالخمود هنا انخفاض كبير في معدل النشاط ودرجة حرارة الجسم كرد فعل على الجوع أو نقص الغذاء لفترة قصيرة. عقب هذه الفكرة، استخدم الباحثون تقنية "كريسبر" لتحرير الجينات، بغرض تعطيل عناصر وراثية محددة تقع قرب مجموعة جينات شهيرة باسم “FTO” ترتبط في الإنسان بالسمنة واضطرابات التمثيل الغذائي. النتائج كانت لافتة: هذه التعديلات أدت لتغييرات واضحة في سلوك الأكل، معدل اكتساب الوزن، وسرعة استعادة درجة حرارة الجسم بعد الخروج من حالة الخمود. وجه الترابط مع حالة البشر يتضح هنا، إذ أن جينات “FTO” نفسها تلعب دوراً محورياً في التحكم بمستوى الطاقة والوزن لدى الإنسان.


اختلافات دقيقة وآمال طبية واعدة

من هنا ينتقل الحديث إلى احتمالية استثمار هذه النتائج في تطوير أساليب علاجية مبتكرة للبشر، خاصة لمواجهة الأمراض المرتبطة بالمناعة الأيضية مثل داء السكري من النوع الثاني، أو حتى التخفيف من تلف الدماغ الناتج عن اضطرابات تدفق الدم كما في السكتات الدماغية. فالخلايا العصبية لدى حيوانات البيات الشتوي تتمتع بحماية طبيعية من التلف عند العودة السريعة لعملية ضخ الدم بعد السُبات، وهي حالة عادة ما تكون مهددة للحياة لدى البشر من دون هذه الحماية الوراثية. يعتمد العلماء على التشابه الكبير بين جينات الثدييات في ربط نتائج التجارب المخبرية على الفئران بالإنسان، رغم أن تفعيل هذه القدرات يظل رهناً بكيفية عمل الجينات في كل نوع وظروفه البيئية. وهذا يفتح الباب لنقاش أوسع يتناول مستقبل الطب الجيني وطرق الهندسة الوراثية، مع آفاق لابتكار عقاقير قادرة على تحفيز ما أطلق عليه بعض الباحثين “الجينات المركزية للبيات الشتوي” عند البشر، مما قد يغير مفهوم الوقاية والعلاج التقليديين.


تحديات علمية وقيود تطبيقية

وبالطبع لا يخلو الأمر من تحديات، وهنا يتعين التأني قبل استعجال التفاؤل. فحتى المتخصصة في علم الجينوم، الدكتورة جوانا كيلي من جامعة كاليفورنيا، تشير إلى أن البشر ليسوا مؤهلين فيزيولوجياً لدخول حالة الخمود كما تفعل الفئران أو حيوانات أخرى؛ وعليه قد يكون من السابق لأوانه استنساخ هذه التجربة على الإنسان مباشرة. كما أن تفعيل مجموعة واحدة من العناصر الوراثية قد لا يكون كافياً لتحقيق "قوة البيات الشتوي" بشكل متكامل، بل ربما يلزم التلاعب بمجموعات متعددة بخطوات دقيقة – لتفادي تأثيرات جانبية غير مرغوبة أو تداعيات غير محسوبة على الصحة. هذه الإشارة تدعونا للتفكير في مدى تعقيد العمليات الجينية وتداخلها، وأهمية الاختبار طويل المدى والتجارب المكثفة على نماذج متنوعة من الكائنات، قبل الحلم بسبات بشري آمن وناجح.


ترابط مع آفاق علمية مستقبلة

ذو صلة

من الواضح أن التعمق في فهم جينات البيات الشتوي ونظيراتها البشرية قد يشكل نقطة انطلاق لأبحاث علمية جارفة في الطب والوراثة. وربما يكشف العلم يوماً كيف يمكن تسخير هذه “القوى الكامنة” لعلاج السمنة، حماية الدماغ من التلف، أو حتى إلهام طرق علاجية ثورية تقلل الحاجة للأدوية التقليدية وتعتمد على تنشيط ميكانيزمات الجسم الداخلية، تلك التي شحذتها ملايين السنين من التطور البيولوجي لدى الكائنات الأخرى.

في النهاية، نستطيع القول إن الطريق لا يزال طويلاً لبلوغ الاستخدام المباشر لهذه الجينات في الطب البشري، لكن كل اكتشاف جديد في هذا المجال يحمل معه شعلة أمل وإمكانيات واسعة. ربما يمكن تحسين النص هنا بتضييق التركيز قليلاً عند الحديث عن الفوارق بين السُبات والخمود لتعميق فهم القارئ، أو تعزيز الوضوح عبر استبدال كلمة “البيات الشتوي” أحياناً بـ “السبات الشتوي” لتقوية وحدة المعنى، أو بإضافة جملة ربط في بداية كل فقرة تشير إلى الترابط العلمي والعملي بين تجارب الحيوان وتوقعات الطب البشري. في جميع الأحوال، يظل الفضول العلمي شريكاً أساسياً لكل محاولة لفك طلاسم الجينات، وتحويلها من أسرار إلى مصادر قوة وحياة أفضل للإنسان.

ذو صلة