اكتشاف حفرية خُلد من 3.25 مليون سنة يغيّر مفاهيم العلماء عن تطوّر الكائنات

3 د
الفريق الإسباني اكتشف حفرية نادرة لخُلد عمره 3.
25 مليون سنة في إسبانيا.
الحفرية تعود لنوع جديد اسمه "Vulcanoscaptor ninoti" ومثالية في حفظها.
الباحثون استخدموا تقنيات متقدمة لدراسة العظام والأسنان دون إضرار.
السمات الجسدية تدل على قدرة الخلد في الحفر وربما السباحة.
الاكتشاف يعيد النظر في تاريخ انتشار الخُلد عبر القارات والبحار.
في خطوة تهز المجتمع العلمي، كشف فريق من الباحثين الإسبان عن حفرية نادرة جدًا لخُلد (خُلند) تعود إلى ما قبل أكثر من ثلاثة ملايين عام، مهددين بإعادة رسم خريطة فهمنا لكيفية تطوّر وسفر هذه الكائنات الصغيرة عبر القارات.
وسط أجواء حماسية في أوساط علماء الحفريات، أعلن معهد “IPHES-CERCA” أن الحفرية الاستثنائية تم العثور عليها بالصدفة عام 2010 في موقع “كامب ديلس نينوتس” شمال شرق إسبانيا، وهو مكان تحول إلى كنز للآثار الجيولوجية من عصر “البليوسين”. قطعة المتحجرات الجديدة التي تم تحديدها مؤخرًا تعود لنوع لم يُكتشف سابقًا أطلق عليه العلماء اسم “Vulcanoscaptor ninoti”، وتظهر بشكل نادر مع فك سفلي شبه كامل، وصفوف أسنان وجزء كبير من هيكل الجذع وأطراف أمامية وخلفية متصلة ببعضها وكأنها خرجت للتو من تحت التراب.
هذا النجاح المذهل يسلط الضوء، مرة أخرى، على الصعوبات المعتادة في دراسة بقايا الحيوانات الصغيرة مثل الشامات، إذ تندر عادةً هذه الأحافير بسبب هشاشة عظامها وبنيتها الرقيقة، ناهيك عن عمليات التحلل السريعة في الطبيعة. غير أن حفرية "Vulcanoscaptor ninoti" كسرت القاعدة بفضل مستوى الحفظ الرائع الذي أتاح للعلماء فحص التفاصيل التشريحية من زوايا لم تكن متاحة من قبل. وكما أوضح الدكتور “مارك فوريّو” أحد أعضاء الفريق، فقد كانت القطعة كنزًا حقيقيًا لم يؤمن علماء الحفريات أنهم سيجدونه بسهولة في أوروبا.
الانتقال إلى تفاصيل أكثر تخصصًا في دراسة الحفرية، لجأ العلماء إلى أحدث أجهزة التصوير المجهري (التصوير الطبقي المجهري الدقيق microCT)، ما مكَّنهم من دراسة العظام والأسنان الصغيرة دون المساس بسلامتها. هذه التقنية الحديثة فتحت نافذة أمام الباحثين لاستكشاف خصائص هيكلية معقدة، مثل عظام الأطراف واليدين، ومعرفة مدى التكيف العضلي عند الخلد مع بيئته – أي التربة أو حتى المياه. وبهذا الإنجاز، تمكن العلماء من إعادة بناء نموذج ثلاثي الأبعاد دقيق للهيكل العظمي لهذا النوع المنقرض، كاشفين عن أسرار عصور سبقتنا بملايين السنين.
تتضح أهمية هذا الاكتشاف بشكل أكبر عندما نُدرك أن السمات الجسدية لهذا الخُلد تثبت قدرته على الحفر والعيش تحت الأرض؛ فقد وُجد أن عظمة العضد لديه قوية بشكل ملفت وتحتوي على نتوءات واضحة تسمح للعضلات بفرض سيطرتها أثناء الحفر. ليس هذا فقط، بل إن وجوده في طبقات رسوبية بحيرة قديمة، وفي وضعية جانبية، يضع احتمالًا غريبًا أن يكون الخُلد أيضًا جيدًا في السباحة، مثل بعض أنواع الشامات المعاصرة في آسيا وأمريكا، وهذا يفتح بابًا جديدًا لفهم نمط حياة هذه الكائنات الصغيرة التي ربما جمعت بين التربة والماء في آن معًا.
ما يربط هذه الملامح الجغرافية والتشريحية بالاكتشاف الجديد أن هذا النوع تحديدًا – حسب التصنيف الحديث – ينتمي إلى مجموعة تُعرف باسم “سكالوبيني”، وهي مجموعة كانت مألوفة قديمًا في أوروبا لكنها اليوم تقتصر حياتها على أمريكا الشمالية وآسيا. هذه المفاجأة تقلب فرضيات سابقة حول محدودية قدرة الخلد على الانتشار، ليقترح العلماء اليوم أن هذه الكائنات ربما قطعت القارات وتجاوزت البحار خلال حقب جيولوجية مضت، مستغلة تغيرات مناخية وجغرافية لاستيطان مناطق جديدة.
وهكذا، نجد أنفسنا أمام اكتشاف لا يحمل فقط أسرارًا عن خُلد منسي عبر العصور، بل يقدم لمحة أعمق عن كيف ساهمت التحولات الطبيعية الكبرى في انتقال الأنواع وانتقالها، ويؤكد على قيمة المتابعة المستمرة للتنقيب العلمي الدقيق واستخدام أحدث أدوات التصوير والتحليل. لو تمت إعادة النظر في بعض المصطلحات القديمة أو تعميق الوصف مثل استبدال كلمة “متحجرات” بـ“حفريات” أو تعزيز جملة الربط بين التكتشفات الحديثة والتغير المناخي في الخاتمة، لأصبح النص أكثر تركيزًا وانسيابية وأقوى تأثيرًا على القارئ المهتم بعلم الأحياء القديمة.