ذكاء اصطناعي

اكتشاف كائن جديد يقع بين الحياة واللاحياة يفتح آفاقاً جديدة في عالم الأحياء! فما قصته؟

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتُشف كائن "سوكونا أرشيوم ميرابيلي" يملك جينات لتكوين البروتينات ولكنه يعتمد على مضيف.

يقع هذا الكائن في منطقة رمادية بين الحياة واللاحياة مما يثير اهتمام العلماء.

يحتوي على 238 ألف زوج قاعدي، وهو عدد قليل مقارنة بأقربائه الفيروسات.

يدعو العلماء لمزيد من الدراسات لفهم الكائنات الغامضة كمثل "سوكونا أرشيوم".

عندما نفكر في مصطلح "الحياة"، تبدو لنا الأمور واضحة نسبيًا. الحيوانات الواعية والكائنات ذات الخلية الواحدة، جميعها لها مكانها المُستحق في شجرة الحياة، لكن الأمور ليست دائمًا بهذه البساطة. خذ على سبيل المثال الفيروسات، فهذه الكائنات الغريبة لا تصنّف ضمن الكائنات الحية لأنها لا تنمو أو تتكاثر بنفسها ولا تنتج طاقتها بذاتها، لكنها—بمجرد دخولها لعائل حي—تتحول فجأة لكيانات نشطة قادرة على التسبب بأحداث ذات أثر عالمي، مثل أوبئة كورونا والإيبولا والإنفلونزا الإسبانية.

لكن الأمر لم يتوقف عند الفيروسات فحسب؛ مؤخرًا كُشف الستار عن كائن غامض جديد يقع في هذه المنطقة الرمادية بين الحياة وعدم الحياة، لتزداد هذه المسألة تعقيدًا وإثارة لفضول العلماء.


"سوكونا أرشيوم".. كائن صغير بهوية غامضة

في بحث جديد نشره علماء من كندا واليابان على موقع "bioRxiv"، استطاع الباحثون تحديد معالم كائن دقيق أطلقوا عليه اسم "سوكونا أرشيوم ميرابيلي" (Sukunaarchaeum mirabile)، اقتباسًا من اسم إله ياباني شهير بصغر حجمه. المفاجأة أن هذا الكائن الجديد يملك الجينات اللازمة لتكوين البروتينات الخاصة به (الريبوسومات) ومرسال الحمض النووي الريبي (RNA)، وهذان العنصران ضروريان لعملية بناء البروتين—وهي مميزات عادةً ما لا نجدها في الفيروسات العادية.

لكن في المقابل، يشبه كائن "سوكونا أرشيوم" الفيروس في أنه يعتمد بشكل كبير على مضيفه للقيام بوظائفه الحيوية، وهو مهتم بشكل أساسي بالتكاثر وإنتاج نسخ صحيحة من نفسه، وهذا ما يجعل العلماء مترددين بشأن تحديد هويته بشكل نهائي.

هذا الاكتشاف المذهل تم أثناء دراسة البروفسور ريو هارادا، الباحث في جامعة دالهاوسي الكندية، لجينوم كائن بحري دقيق يُسمى Citharistes regius. أثناء البحث، ظهرت لدى الفريق قطعة من الحمض النووي (DNA) لم تكن تتطابق مع أي كائن حي معروف حتى الآن. وبعد التدقيق اكتشفوا أن هذا الكائن ينتمي إلى مجموعة "العتائق" (Archaea)، وهي مجموعة بكتيرية قديمة تُعتبر الجد البعيد للخلايا المعقدة التي يتكون منها البشر وباقي الكائنات العليا اليوم.

وما يجعل "سوكونا أرشيوم" مدهشًا أكثر هو صغر حجمه الاستثنائي وضآلة تركيبته الجينية، فهو يحتوي فقط على 238 ألف زوج قاعدي (وحدة بناء المادة الوراثية)، رقم ضئيل جدًا مقارنة بأقربائه من الكائنات الدقيقة والتي تصل إلى ضعف هذا الرقم كحد أدنى. وفي المقابل، تمتلك بعض الفيروسات مثلًا مئات آلاف وحتى الملايين من الأزواج القاعدية.

هذا الاختلاف الكبير جينيًا ولوجستيًا يجعل العلماء في حيرة حقيقية أمام هذا الكائن الغريب، ولا يسمح لهم بسهولة بتصنيف "سوكونا أرشيوم" على أنه خلية بسيطة أو فيروس. ولذلك، يعتقد العلماء أن هذا الاكتشاف سيفتح أبوابًا واسعة لفهم أعمق للكائنات الدقيقة الغامضة التي لا تزال تتحدى مفاهيمنا عن الحياة وتطورها.

ما أثاره هذا الاكتشاف يتجاوز مجرد الجدل العلمي حول التعريفات؛ فهو يسلط الضوء على الأنظمة الحيوية المجهولة التي يمكن العثور عليها من خلال مواصلة دراسة التفاعلات بين الكائنات الدقيقة وعوائلها. على حد تعبير القائمين على الدراسة: "اكتشاف سوكونا أرشيوم يدفع حدود فهمنا التقليدي للحياة الخلوية، ويؤكد على أن الكثير من المفاجآت بانتظارنا في عالم الكائنات الدقيقة وتفاعلاتها."

ذو صلة

في المستقبل القريب، يدعو العلماء إلى توسعة الدراسات عن أنظمة التعايش بين الكائنات لاكتشاف مزيد من الكائنات الغامضة كهذا الكائن الغريب الذي يبدو وكأنه جاء من منطقة وسطى بين الحياة وغير الحياة.

وبكل تأكيد، اكتشاف كهذا يعيد تعريفنا لماهية الحياة، ويذكرنا بمدى تعقيد وغموض عالمنا المتناهي الصِغر، والذي لا يزال يحمل بعيدًا عن أنظارنا من الأسرار ما قد يغير من فهمنا العلمى والجوهري للطبيعة ذاتها. لعل ما يمكن إضافته إلى أي دراسة مستقبلية هو تدوين أكبر قدر من التفاصيل الجينية—فربما تحمل جيناتها البسيطة مفتاحًا لفهم أعمق عن تطور الحياة وتكيفها.

ذو صلة