الأقمار الصناعية تصبح أذكى: ذكاء اصطناعي من ناسا يتخذ قرارات ذاتية في 90 ثانية فقط

4 د
طورت ناسا تقنية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات الذاتية في الأقمار الصناعية.
يمكن للأقمار الصناعية الآن التمييز بين الأجواء لتلتقط الصورة الأنسب بدقة وفعالية.
يسمح النظام للأقمار بتوفير الطاقة والبيانات من خلال تجنب التقاط صور غائمة.
الذكاء الاصطناعي يمكن تطويره لرصد الظواهر الطبيعية مثل العواصف والانبعاثات الغازية.
تخطط ناسا لاستخدام تعاون الأقمار الصناعية لالتقاط الظواهر المناخية والاستجابات الجماعية.
تخيل عالماً تطير فيه الأقمار الصناعية فوقنا بسرعة هائلة، قادرة على التمييز الفوري بين سماء صافية ومغطاة بالسحب، لتقرر وحدها في لمح البصر: هل تلتقط الصورة أم توفر الطاقة والبيانات لفرص أفضل؟ هذا أصبح حقيقة بفضل تجربة جديدة وواعدة من وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، حيث أثبت الذكاء الاصطناعي أنه يستطيع للمرة الأولى اتخاذ قرارات مصيرية لمعالجة الصور دون أي تدخل بشري، وفي أقل من دقيقة ونصف.
في التجربة التي شغلت عالم الفضاء الأيام الماضية، اختبرت ناسا منصة جديدة للذكاء الاصطناعي سميت "التوجيه الديناميكي" (Dynamic Targeting). تهدف التقنية بشكل أساسي إلى منح القمر الصناعي قدرات شبيهة بالعقل البشري: فهو لا يكتفي بجمع المعلومات من الأرض، بل يتفحصها ويقيّمها، ثم يتخذ القرار الأنسب بشأن التقاط الصورة أو صرف النظر عنها إن كانت ظروف الرؤية غير مثالية.
وهذا ينقلنا إلى تفاصيل التجربة العملية التي جمعت بين علوم الحوسبة المتقدمة والآلات الصغيرة في الفضاء. على متن القمر الصناعي المصغر "كوغنيسات-6" الذي لا يتخطى حجمه حقيبة مستندات، جرى أول اختبار حقيقي مطلع عام 2024. يحمل هذا المكعب الإلكتروني معالجاً متطوّراً من شركة "يوباتكا" يتيح للقمر تمييز المشاهد بذكاء: بدأ القمر في الميل بزاوية تصل إلى 50 درجة في مداره، يسبق مسارَه ليلتقط صوراً من الكاميرا البصرية (تعتمد على الضوء المرئي وتحت الأحمر القريب). في لحظات معدودة، يفحص الذكاء الاصطناعي الصورة عبر خوارزمية دقيقة مدربة على تمييز الغيوم، فإذا كانت السماء صافية يتم الإعداد لالتقاط صورة الأرض، أما عند ظهور السحب، فالقرار محسوم: إلغاء المهمة وتوفير الطاقة وموارد التخزين.
نجاح ناسا في هذا الإنجاز لم يكن لأجل الفخامة التقنية فقط؛ بل لأن وفورات البيانات والطاقة أصبحت قضية مركزية في سباق الأقمار الصناعية. فمع تطور الكاميرات وحساسية المستشعرات، باتت كميات البيانات المخزنة والمرسلة ضخمة، وغالباً ما تُهدر من خلال تخزين أو تحميل صور مغطاة بالغيوم وغير قابلة للتحليل العلمي. هنا يبرز قول بن سميث، أحد منسقي المشروع في مختبر الدفع النفاث (JPL): لقد أصبح بإمكاننا تفعيل خاصية "التصوير الذكي"، أي التقاط صور فقط حين تكون الفرصة الفعلية متاحة لرؤية الأرض بوضوح، وتفادي العوائق الجوية بلا أي جهد بشري أو تحكم أرضي.
ويجمع الخبراء على أن الحدث لا يكمن فقط في تفادي السحب، بل في سرعة المعالجة والقرار. إذ تتم العملية الكاملة من بداية الميلان والتقاط الصورة إلى اتخاذ القرار النهائي خلال 60 إلى 90 ثانية فقط، فيما يواصل القمر الصغير رحلته بسرعة الجسيمات تصل إلى 27 ألف كيلومتر في الساعة بمحاذاة مدار الأرض المنخفض. ولعل القفزة الحقيقية أن نظام الذكاء الاصطناعي هذا يمكن تطويره مستقبلاً ليعكس الغرض رأساً على عقب، بحيث يصبح هدف القمر التقاط الظواهر المناخية النشطة كالعواصف والحرائق، بل وحتى ثورات البراكين أو الانبعاثات الغازية غير المتوقعة.
استشرافاً للمستقبل، يخطط مهندسو ناسا لتوسعة آفاق الذكاء الاصطناعي ليشمل ما يُعرف بمفهوم "القياس الذاتي المتعاون". الفكرة هنا أن يعمل أكثر من قمر صناعي ضمن كوكبة واحدة بتناغم: حيث يحلل القمر الرئيسي الصور ويتشارك القرارات مع بقية المجموعة، لتتجه الأنظار والعدسات معاً صوب ظاهرة محددة مثل عاصفة شديدة أو انفجار بركاني مفاجئ. هذه المنهجية تعبّر عن نقلة نوعية في التعاون الفضائي وقدرة الأقمار الصغيرة على تبادل المهام والاستجابة الجماعية في الزمن الحقيقي.
إن الجسر الممتد بين المشروع الحالي وطموحات ناسا الأبعد يزداد وضوحاً عند النظر في مشاريع الاستكشافات المستقبلية، مثل رصد البراكين أو حتى تتبع الانبعاثات الغازية من مذنبات في الفضاء العميق. بعض الأنظمة التجريبية سبق أن اختبرت الفكرة مع مسبار "روزييتا" في تتبع المذنب "تشوريوموف-غيراسيمنكو"، وتطمح ناسا مستقبلاً لتكييف الذكاء الاصطناعي مع أنظمة الرادار أيضا لتحليل عواصف الجليد النادرة أو تتبع ظواهر الأرصاد المتسارعة.
مع تقدم كل هذه الابتكارات، تظهر أمامنا خارطة جديدة لتكنولوجيا الفضاء تجمع بين الذكاء الاصطناعي، والأقمار المصغرة، والقياسات التعاونية، والاستشعار عن بعد، والتحكم الذاتي الكامل. ويبدو من الواضح أن عالم الفضاء الرقمي يقترب من نقطة التحول في طريقة جمع العلم وتحليل المشاهد، حيث يسير كل شيء بأقل تدخل بشري ممكن.
في ختام الحديث حول إنجاز ناسا الجديد، نلاحظ أن تبني مثل هذا المصطلح "الاستشعار الذكي" أو حتى تعويض تعبير "تمرير الصور" بـ"تصعيد البيانات العلمية" قد يمنح النص حيوية وأثرًا أقوى. ومن المفيد تعزيز الربط بين مشروعات اليوم ومستقبل نظم المراقبة، عبر إضافة جمل ربط أكثر وضوحاً تشرح كيف تشكل كل خطوة صغيرة أساساً لقفزة عملاقة في عالم استكشاف الأرض والكون.