التوظيف عن بعد في خطر: ارتفاع مقلق في استخدام Deepfake في مقابلات العمل عن بعد

3 د
تطورت شركة "بيرسونا" تقنيات لكشف التزييف بالذكاء الاصطناعي في عمليات التوظيف.
كشفت الشركة أنها تصدت لأكثر من 75 مليون محاولة تزييف خلال العام الماضي.
تتعاون مجموعات مثل كوريا الشمالية لاختراق الشركات بواسطة شخصيات مزيفة.
تعتمد "بيرسونا" على استراتيجية متعددة المستويات لتحليل البيئة الرقمية للمتقدمين.
يتوقع أن يصل سوق تحقق الهوية إلى أكثر من 21 مليار دولار بحلول 2028.
هل تخيلت يومًا أنك تجري مقابلة عبر الفيديو مع شخص يبدو حقيقيًا، ولكنه في الواقع مجرد شخصية مزيفة مصنوعة باستخدام تقنيات متطورة من الذكاء الاصطناعي؟ يبدو الأمر كمشهد من فيلم خيال علمي، لكنه اليوم أصبح حقيقة فعلية يواجهها سوق العمل العالمي.
مؤخرًا، أعلنت شركة "بيرسونا" التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرًا لها، عن خطوة هامة في مكافحة ظاهرة التزييف بالذكاء الاصطناعي أثناء التوظيف. إذ كشفت عن توسيع كبير في قدراتها التكنولوجية للتحقق من هوية المتقدمين للوظائف، بهدف رصد وكشف الشخصيات المزيفة المصنعة رقميًا أو ما يعرف بـ"الديب فيك".
وهذا الإعلان لم يأتِ من فراغ. فقد تمكنت "بيرسونا" العام الماضي وحده من صد أكثر من 75 مليون محاولة استخدام وجوه وشخصيات مزيفة للنفاذ إلى شركات عالمية مثل OpenAI وCoursera وغيرها. هذا الرقم الكبير يعكس خطورة وتزايد حجم التهديد الذي يواجه مجال التوظيف عن بعد.
ولعل السؤال المهم هنا: لماذا ازداد خطر "التزييف" بهذا الشكل الملفت مؤخرًا؟ الحقيقة أن برامج الذكاء الاصطناعي التوليدية، مثل تلك المستخدمة في إنشاء صور ووجوه مزيفة، باتت أكثر تطورًا من أي وقت مضى، وأصبح استخدامها في التزييف أسهل بكثير. بل إن هناك مجموعات اخترقت هذا المجال مثل بعض الجهات المدعومة من كوريا الشمالية ومجموعات دولية أخرى تسعى لاختراق قطاعات الأعمال الأمريكية بهدف جمع المعلومات الحساسة، وزرع برامج خبيثة في أنظمة الشركات.
وهذا الربط بين تصاعد قدرات الذكاء الاصطناعي والأطراف الخارجية ليس تفسيرًا خياليًا، فالعديد من الحوادث الواقعية تؤكده. فقد تعرضت مثلًا شركة "KnowBe4" الأمريكية الشهيرة لحادثة اختراق في 2024 عندما وظفت، دون قصد، موظفًا اتضح أنه شخصية مزيفة تابعة لمجموعة مرتبطة بكوريا الشمالية حاول نشر برمجيات مضرة.
وفي مواجهة هذه المخاطر، طورت "بيرسونا" استراتيجية متعددة المستويات لصعوبة اختراقها. لا يقتصر الأمر على التحقق من صورة أو فيديو، بل يمتد إلى تحليل الجهاز المستخدم وشبكة الإنترنت والبيئة المحيطة بالمتقدم، فضلًا عن تتبع أنماط سلوكية وأخرى على مستوى السكان تشير إلى هجمات منظمة أو منسقة.
ورغم أن برمجيات التزييف تتحسن بوتيرة سريعة، إلا أن الاستراتيجية "المتعددة" التي تعتمدها "بيرسونا" ما زالت متقدمة بفضل تحليل عوامل البيئة الرقمية من بصمات الجهاز وتوقيت الاستخدام ونطاق الشبكة. يقول مدير الشركة ريك سونغ إن التحقق لا يستغرق أكثر من ثوانٍ للمتقدم الحقيقي، بينما يخلق تعقيدات كثيرة لمن يحاول الغش أو التجاوز.
وبينما تتزايد عمليات التوظيف عن بعد، تبرز الحاجة الضرورية لأنظمة متطورة للتحقق من الهوية. وفقًا لتقديرات شركة MarketsandMarkets، من المتوقع أن تصل قيمة سوق تحقق الهوية إلى أكثر من 21 مليار دولار بحلول عام 2028، مع نمو سنوي مركب يقدر بنحو 15%. هذا يعكس أهمية التحقق في زمن يسيطر عليه العمل الرقمي وأساليب التوظيف عن بُعد، حيث أصبح السؤال الأول ليس عن خبرات الموظف بل عن وجوده الفعلي أصلًا.
وفي المستقبل البعيد، قد لا يكفي الاعتماد على تقنيات كشف المحتوى المزيف فقط. بل يرى الخبراء أن الحل قد يكون في تاريخ رقمي كامل للشخص، قائم على تاريخه من التفاعلات الموثوقة والمعاملات المؤكدة على الإنترنت. مثل هذا التاريخ الرقمي سيكون شبه مستحيل تزويره بسبب ضرورة تزييف سنوات طويلة من السلوك الرقمي المتنوع.
نحن اليوم أمام تحول كبير في مفهوم التوظيف والمصادقة، حيث لم يعد التحقق من السيرة الذاتية والخبرات كافيًا، بل يجب أولًا التأكد من كون المتقدم حقيقيًا وليس مجرد صورة مثالية رسمتها خوارزميات. ربما في عصرنا الرقمي أصبح مجرد "الوجود" هو الشرط الأول والأهم للحصول على وظيفة حقيقية.