ذكاء اصطناعي

الجرافين يفتح آفاق التيارات الكمومية بلا حاجة للمغناطيس

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أعلن فريق هولندي عن إنتاج تيارات كمومية في الغرافين بدون حقول مغناطيسية.

تفتح هذه التقنية آفاقًا جديدة لتطوير السبينترونيكس وتحسين كفاءة الإلكترونيات.

تكديس الغرافين فوق CrPS4 يمكن من إنتاج تأثير هول السبيني الكمومي.

تيارات السبين المحمية تتيح إنشاء أجهزة موثوقة وأقل استهلاكًا للطاقة.

قد يكون لهذا الاكتشاف دور كبير في الحوسبة الكمومية وتكنولوجيا الذواكر.

في إنجاز علمي أثار إعجاب المختصين في الفيزياء والتقنية، أعلن فريق بحثي من جامعة دلفت الهولندية عن تحقيق سبق غير مسبوق بإنتاج تيارات كمومية للسبين (الدوران المغزلي) داخل مادة الغرافين من دون الحاجة لاستخدام أي حقول مغناطيسية خارجية. هذا التطور يعد خطوة هائلة في مسار تطوير تقنيات السبينترونيكس، وهي أنظمة إلكترونية تعتمد على سبين الإلكترون لنقل المعلومات، واعدة بإلكترونيات أسرع وأقل استهلاكاً للطاقة، فضلاً عن دورها المنتظر في الحوسبة الكمومية ووسائط الذاكرة المستقبلية.

لنبدأ بنظرة أقرب إلى هذا الكشف العلمي. قصة النجاح انطلقت عندما تمكنت الفيزيائية تاليه غياسي من رصد ظاهرة كمومية نادرة للغاية تُسمى "تأثير هول السبيني الكمومي" في الغرافين—ودون أي دعم من مغناطيس خارجي. هذه الظاهرة تعني أن الإلكترونات تتحرك بسلاسة على أطراف الغرافين، وكلها تحمل اتجاه سبين واحد؛ ما يشبه مرور تيار موحّد في طريق خاص وآمن من الاضطرابات. لمن لا يعرف تفاصيل السبينترونيكس: السبين هنا بمثابة بوصلة صغيرة يحملها الإلكترون وتشير للأعلى أو للأسفل، واستخدام هذا السلوك في الدوائر يفتح الباب أمام معالجة المعلومات بأنماط جديدة كلياً.

وهنا تبرز المعضلة التي كانت تواجه الباحثين منذ سنوات: الحفاظ على استقرار تيارات السبين في المواد عادة ما يتطلب وجود حقل مغناطيسي قوي، الأمر الذي يصعب تحقيقه داخل شرائح إلكترونية صغيرة. وفي هذا السياق تحديداً، جاءت فكرة الفريق بتحقيق المطلوب دون أي تجهيزات ضخمة أو مكلفة، مما يشكل تحوّلاً محورياً في اتجاه السبينترونيكس كمجال بحثي وصناعي.


كيف حُلّت عقدة الحقل المغناطيسي؟

للوصول إلى هذا الهدف، ابتكر العلماء طريقة ذكية بتكديس شريحة الغرافين الرقيقة فوق طبقة من مادة مغناطيسية تدعى "كريوميوفوسفور الرباعي" أو CrPS4. هذه الطبقة المغناطيسية أثرت بعمق على خواص الغرافين الإلكترونية، بحيث أفرزت بداخلها تأثير هول السبيني الكمومي المطلوب. عاد غياسي وشرحت لمتابعيها أن تدفق الإلكترونات صار تابعاً لاتجاه السبين لكل إلكترون؛ وكأننا نمنح الإلكترونات طريقاً مخصصاً لا يسمح بالعبور إلا لمن يحمل بطاقة سبين معيّنة. وهذا الشرح يمهد لتصورٍ أفضل حول كيف يمكن استغلال هذه التيارات في نقل المعلومات دون تشويش أو فقدان، وهو ما يُعتبر نقلة في كفاءة وموثوقية الأجهزة الإلكترونية.

وما دمنا في عمق تقنية السبينترونيكس، فمن الضروري التوقف عند مفهوم الحفاظ على "المعلومات المغزلية" عبر المسافات. التجربة البرهانية التي أجراها الفريق الهولندي أثبتت أن التيار الكمومي داخل تكديس الغرافين وCrPS4 يظل "محمياً توبولوجياً"، أي أن إشارة السبين تبقى سليمة دون أن تتشوه، حتى بعد عبور مسافات تقدر بعشرات الميكرومترات على شريحة واحدة. هذه الصفة تعني أن الأجهزة لا تتأثر بالعيوب أو الشوائب الدقيقة، بل تظل قادرة على أداء وظائفها بأعلى موثوقية، وهو أمر مطلوب بشدة لأنظمة الذاكرة وصناعة شرائح الحوسبة الحديثة.

ذو صلة

وبالانتقال من جانب الحماية إلى آفاق التطبيقات المستقبلية، يتضح أن هذا الإنجاز قد يمهد الطريق لإنتاج دوائر سبينترونية فائقة الرقة والطاقة، ترتكز على الغرافين كمادة أساسية. مثل هذه الدوائر ستشكل البنية التحتية للحواسيب الكمومية وأنظمة تخزين المعلومات المتطورة، حيث يصبح نقل البيانات عبر سبين الإلكترون أداة قوية لتحقيق سيطرة أسرع وأكثر كفاءة وأقل هدراً للطاقة مقارنة بالإلكترونيات التقليدية. ومن المرجّح أن نجد خلال السنوات القادمة اعتماداً متزايداً على الغرافين المغزلي كحلقة وصل بين وحدات الكيوبت في الحوسبة الكمومية وتكنولوجيا الذواكر الذكية.

في الخلاصة، هذا الاكتشاف العلمي لا يقتصر فقط على الجانب الأكاديمي بل يُعد نقطة تحوّل حقيقية في مسار تطوير الإلكترونيات المستقبلية. بفضل هذه التيارات الكمومية المحمية التي ظهرت في الغرافين، تبدو الأبواب مشرّعة أمام نماذج جديدة من الرقائق والذاكرة والأجهزة الذكية التي قد تغيّر طريقة تعاملنا مع التكنولوجيا بشكل كامل. ولعل تعبيرات مثل السبينترونيكس أو تأثير هول الكمومي لم تعد لغة المختبرات وحدها، بل بات الحديث عنها بداية لثورة صناعية بحجم الحوسبة الكمومية. ربما لو أضفنا مزيداً من الربط بين مصطلحي "المغزلية الكمومية" و"الحماية التوبولوجية" لأضفينا على العرض مزيداً من التخصص للقراء، أو لو ركزنا على توضيح الفرق بين "الإلكترونيات التقليدية" و"الإلكترونيات المعتمدة على سبين الإلكترون" لزدنا تفهّماً سياقياً لما يجري من تغير عميق في قلب عالم التكنولوجيا.

ذو صلة