الجين المكتشف حديثاً يمنح الطحلب قدرة خارقة لتحدي الجاذبية

4 د
كشف علماء يابانيون عن جين "IBSH1" الذي يعزز قدرة طحلب الأرض على تحدي الجاذبية.
أظهر الطحلب نسبة تحسين تجاوزت 50% في التمثيل الضوئي تحت جاذبية شديدة.
يفتح الجين آفاقاً جديدة لتحسين إنتاج المحاصيل في البيئات القاسية والفضاء.
البحث يسلط الضوء على إمكانية استخدام جينات مشابهة لتحسين كفاءة النباتات الأخرى.
يجري العلماء دراسات لتطوير فهم كيفية تأقلم الطحالب مع ظروف الجاذبية المختلفة.
في واحدة من أكثر الإنجازات العلمية إثارة هذا العام، كشف فريق بحثي ياباني سرًا جديدًا حول قدرة الطحالب على التكيّف مع أقسى البيئات، بما في ذلك التحمّل المذهل لقوة الجاذبية الشديدة. إذ أظهر الطحلب المعروف باسم "طحلب الأرض المنتشر" قدرة مذهلة على تعزيز عملية التمثيل الضوئي (التركيب الضوئي) ونمو أجزائه عندما وُضع تحت قوة جاذبية تعادل عشرة أضعاف جاذبية كوكبنا.
لطالما عُرفت الطحالب بقدرتها على البقاء في مناطق شبه مستحيلة للعيش مثل الصحاري، القمم الجبلية وأنتاركتيكا. وقد دفع هذا التكيف المذهل علماء النبات للتساؤل لسنوات: ما هي آلياتها الجزيئية التي تجعلها قادرة على مواجهة البيئات القاسية والمجهدة؟ الدكتور توموميشي فوجيتا، المتخصص في فيسيولوجيا النبات بجامعة هوكايدو في اليابان، أجرى مع فريقه تجربة فريدة من نوعها سعوا فيها لإماطة اللثام عن هذا الغموض. اتضح لهم أن إجابة هذا السؤال قد تكون مختبئة في جين صغير لكن فعّال، أطلقوا عليه اسم "IBSH1".
اكتشاف الجين الخارق: IBSH1 ودوره في مضاعفة كفاءة الطحالب
دخل الباحثون في مغامرة علمية بتعريض عينات من طحلب الأرض لجاذبية اصطناعية قوية داخل جهاز طرد مركزي خاص على مدى ثمانية أسابيع. المفاجأة أن الطحالب لم تذبل – بل نمت أسرع، وازداد حجم البلاستيدات الخضراء المسؤولة عن البناء الضوئي بنحو الضعف، وأصبحت قادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون بكفاءة أعلى؛ أي أن معدل التمثيل الضوئي تحسّن بنسبة قاربت 50% مقارنة بالطحالب المزروعة تحت جاذبية عادية. ومن خلال مراقبة الامتصاص السريع لثاني أكسيد الكربون، توصّل الباحثون إلى أن تنشيط جين IBSH1 تحت هذه الظروف كان كفيلاً بتوسيع البلاستيدات ونمو أجزاء النبات الصغيرة إلى مستويات لم تكن متوقعة. هذا الاكتشاف لم يساهم فقط في فهم قدرة الطحالب على البقاء، بل سلط الضوء أيضًا على إمكانية تعديل الجين ذاته تحت جاذبية الأرض العادية، ليحصل الطحلب على الزيادة ذاتها في نموه النشط.
مع هذا التطور اللافت، من الطبيعي أن نتساءل: كيف يمكن أن يؤثر فهم هذا الجين الجديد على علوم الزراعة وإنتاج الغذاء في المستقبل؟
السياق التطبيقي والمضامين المستقبلية
من الواضح أن اكتشاف جين IBSH1 يفتح طاقة جديدة في أبحاث الهندسة الحيوية النباتية، خصوصًا في سياق مواجهة بيئات صعبة مثل الفضاء، الصحارى، أو حتى على كواكب أخرى. قدرة الطحلب على التكيُّف السريع مع "الهايبرجرافيتي" تشير إلى مرونة وراثية استثنائية قد تتشابه مع الطرق التي استخدمتها النباتات الأولية للانتقال من الماء إلى اليابسة قبل ملايين السنين. وكما يقول الدكتور فوجيتا، فإن هذا الاكتشاف لا يكشف أسرار الطحالب فحسب، بل يقدم دليلًا على وجود جينات مشابهة في نباتات أخرى يمكن استهدافها لتحسين العملية الضوئية وتوفير زراعة أكثر كفاءة، لا سيما في ظل التغير المناخي والحاجة للأمن الغذائي المستدام.
ومع هذه الآفاق الواسعة، يزداد اهتمام العلماء بإمكانية استخدام تقنية التعديل الوراثي لتحفيز جينات مشابهة في المحاصيل الزراعية الهامة، مما قد يؤدي إلى إنتاج محاصيل أقوى في البيئات القاسية أو حتى في ظروف فقدان الجاذبية، مثل ما قد يواجه مستكشفو الفضاء يومًا ما.
تساؤلات علمية جديدة في الأفق
بعد الاطلاع على هذه النتائج المثيرة، بدأت تظهر بين الباحثين تساؤلات حول الأسباب وراء استجابة الطحالب بهذا الشكل الإيجابي للجاذبية الشديدة، خاصة وأن النباتات لم تواجه في تاريخ تطورها جاذبية تفوق جاذبية الأرض. كما أشار البروفيسور هيدييوكي تاكاهاشي من جامعة شيبا، فقد تُمثل هذه النتائج نافذة جديدة لفهم تكيّف النباتات ليس فقط مع الجاذبية العالية بل أيضًا مع ظروف الجاذبية المنخفضة التي تخضع لها بعض التجارب النباتية في محطة الفضاء الدولية. وفعلاً، يعمل فريق فوجيتا حاليًا على تحليل نتائج تجاربه في بيئة الجاذبية الصغرى، على أمل أن تكتمل الصورة قريبا.
ومن خلال تتبع هذا الرابط العلمي بين اكتشاف الجين وسلوك النباتات في الكون، يمكننا رؤية الإمكانات الهائلة التي قد توفرها دراسة الطحالب وغيرها من الكائنات البسيطة لتحسين حياة الإنسان ودعم ابتكارات المستقبل في الزراعة والغذاء والطاقة الحيوية.
في الختام، يؤكد هذا البحث الرائد على أن الطحالب ليست مجرد نباتات هامشية، بل خزائن حية لأسرار التكيف والتطور، وجين IBSH1 هو مجرد نموذج واحد من أدواتها في مواجهة الظروف الصعبة. ومع استمرار الدراسات في هذا المجال، قد نجد قريبًا حلولًا مبتكرة لمشكلات الزراعة والإنتاج الغذائي، سواء على الأرض أو في رحلاتنا العميقة إلى الفضاء. فلا تزال الطبيعة تفاجئنا دومًا بإمكاناتها الكامنة في أبسط المخلوقات، وتذكرنا بأن العلم رحلة مليئة بالمفاجآت الجميلة.