ذكاء اصطناعي

الحيتان القاتلة تمد البشر بالطعام… استعدادًا ليوم الحساب؟

محمد كمال
محمد كمال

3 د

رصد الباحثون 34 حالة حيث قدمت الحيتان القاتلة فرائس للبشر بين 2004 و2024.

طرح العلماء تفسيرات متعددة مثل الفضول والتواصل غير اللفظي بين الأوركا والبشر.

دماغ الحوت القاتل يحتوي على خلايا مرتبطة بالتعاطف والعلاقات الاجتماعية، مما يعزز فهمه المتطور.

تفتح الظاهرة باب النقاش حول التعاون بين الأنواع والإدراك المشترك لدى الكائنات البحرية.

المشهد يسلط الضوء على ضرورة حماية الكائنات البحرية والتوازن البيئي المشترك بيننا.

منذ سنوات، فوجئ الباحث جاريد تاورز، المتخصص في دراسة الحيتان القاتلة، بمشهد نادر تحت سطح الماء. خلال مراقبته لمجموعة من الأوركا قبالة ساحل كندا، اقتربت منه أنثى شابة وأطلقت من فمها طائراً ميتاً أمام الكاميرا، ثم توقفت وكأنها تنتظر تفاعله، قبل أن تعود لابتلاع الطائر مجدداً. المشهد بدا في البداية عفوياً، لكنه لم يكن الوحيد من نوعه.

وهذا التكرار جعل العلماء يبدؤون بطرح سؤال جوهري: لماذا تحاول هذه الكائنات البحرية تقديم “هدايا غذائية” للبشر؟


توثيق عالمي لظاهرة غامضة


خلال السنوات الممتدة بين 2004 و2024، رصد الباحثون 34 حالة مشابهة حول العالم، حيث عرضت الحيتان القاتلة على البشر فرائس متنوعة، من طيور بحرية إلى فقمة صغيرة. وفي معظم المرات، انتظرت الأوركا رد فعل الإنسان قبل أن تستعيد فريستها أو تتركها طافية في الماء. هذا السلوك أثار فضول العلماء لأنه يُعد نادراً جداً لدى مفترس بري يتعامل عادة بندّية مع بيئته.

ومن هنا، بدأ النقاش العلمي يأخذ منحى أعمق، إذ أن الظاهرة لا تقتصر على صغار الأوركا الفضوليين، بل شملت ذكوراً وإناثاً بالغة أيضاً.


بين الفضول والذكاء الفطري


طرح فريق تاورز عدة تفسيرات: ربما يكون الأمر محاولة استكشافية لفهم رد فعل البشر، أو شكل من أشكال التواصل غير اللفظي. واستبعدوا إلى حد ما فرضية اللعب الطفولي، لأن الحيتان الكبيرة أيضاً قدّمت الطعام. وهناك نظرية أكثر جدية تشير إلى أن الأوركا تستخدم أحياناً فرائسها كوسيلة لجذب كائنات أخرى، ما قد يفسّر بعض السلوكيات، وإن لم تسجل حالات استهداف للبشر إطلاقاً في البرية.

هذا الانتقال من التفسير السلوكي إلى التحليل البيولوجي ساعد في بناء صورة أوضح عن ذكاء الحيتان القاتلة وقدرتها على التفاعل مع محيطها بدوافع متنوعة.


ذكاء متطور وشبه بشري


تُظهر الدراسات أن دماغ الحوت القاتل هو الأكبر حجماً بعد الإنسان عند مقارنته بكتلة الجسم، ما يؤهله لعمليات إدراك معقدة. كما وجد العلماء في دماغه خلايا عصبية تُعرف بـ “الخلايا المغزلية” المرتبطة عادة بالتعاطف والعلاقات الاجتماعية. هذه الخصائص تقرّبه من قدرات معرفية تشبه لدى البشر بعض أشكال الإيثار أو “المشاركة الرمزية” في الطعام، مثلما يحدث لدى القطط التي تضع فرائسها عند أقدام أصحابها.

وهذا يفتح الباب لنقاش أشمل حول مفهوم التعاون بين الأنواع وربما أشكال بدائية من الإحساس بالآخر لدى الكائنات البحرية.


الخلاصة: رسائل من الأعماق

ذو صلة


ما بين الفضول والاختبار وربما التعاطف، يظل الدافع الحقيقي وراء تقديم الحيتان القاتلة للطعام للبشر غير محسوم. لكن المؤكد أن هذا السلوك يضيف بعداً جديداً لفهمنا لعلاقة الإنسان بالطبيعة، ويذكّرنا بأننا نشارك الكوكب مع مخلوقات شديدة الذكاء والتطور.

في النهاية، يرى الباحثون أن هذا التلاقي الاستثنائي بين البشر والحيتان ليس مجرد رواية طريفة، بل رسالة واضحة بأن حماية هذه الكائنات والحفاظ على توازن المحيطات مسؤولية مشتركة تستحق اهتمامنا جميعاً.

ذو صلة