الحيوانات المنوية تنهار… والإنسان على حافة الانقراض البطيء!

3 د
تحذر خبيرة الأوبئة شيانا سوان من أزمة خصوبة تهدد بقاء البشرية.
تشهد معدلات الحيوانات المنوية تراجعًا حادًا في الدول الغربية.
المواد الكيميائية في حياتنا تؤثر سلبًا على الخصوبة والوظائف الحيوية.
تشير الانخفاضات إلى وجود تهديد جماعي يتطلب اتخاذ إجراءات وقائية.
اختيار نمط حياة صحي أصبح ضروريًا لاستدامة الجنس البشري.
يعصف العالم اليوم بمخاوف غير معهودة حول مستقبل الإنسان على كوكب الأرض، وهذه المرة ليست بسبب تغيّر المناخ أو التوترات السياسية، بل جرّاء تراجع معدلات الخصوبة بشكل لم يسبق له مثيل. إذ حذرت خبيرة الأوبئة شيانا سوان، من جامعة آيكان للطب في نيويورك، من أن انخفاض أعداد الحيوانات المنوية والتحولات التي طرأت على التطور الجنسي بدأ يتخذ أبعادًا خطيرة قد تصل حد تهديد استمرار الجنس البشري.
في كتابها الجديد، سلّطت سوان الضوء على أزمة الخصوبة المرتقبة ووصفتها بأنها خطر عالمي يوازي أزمة المناخ في حجم تداعياته. وأشارت إلى أن العالم يشهد انخفاضًا حادًا في أعداد الحيوانات المنوية لدى الرجال، حيث أظهرت دراسة شاركت في إعدادها عام 2017 أن أعداد الحيوانات المنوية في الدول الغربية تراجعت بمقدار 59% بين عامَي 1973 و2011. وتوقّعت سوان استمرار هذا الانخفاض بنسق متسارع، حتى أن النماذج الحالية ترجّح بلوغ عدد الحيوانات المنوية مستوى الصفر بحلول عام 2045 إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة. هذا السيناريو يدق ناقوس الخطر في الأوساط الطبية والعلمية، إذ أن الإنجاب والحفاظ على التوازن السكاني العالمي يرتبطان بشكل مباشر بصحة الجهاز التناسلي للرجال والنساء على حد سواء.
ومع هذا التفكير المقلق، يصبح لزامًا علينا التعمق أكثر في الأسباب والعوامل التي تسهم في تعميق أزمة الخصوبة العالمية والوقوف عند آثارها الممتدة. إذ تشير سوان إلى أن أنماط الحياة العصرية والتعرض اليومي للمواد الكيميائية هما من بين العوامل الرئيسية، حيث غيّرا من طبيعة النمو الجنسي وأثرا سلبًا على مستويات الخصوبة لدى البشر. هناك مصطلح قد لا يكون مألوفًا للجميع، هو "المعوّقات الهرمونية"؛ وهي مواد كيميائية منتشرة في البلاستيك، ومستحضرات التجميل، والمبيدات الحشرية، مثل الفثالات وبيسفينول-أ، تتداخل مع النظام الهرموني الدقيق في أجسامنا وتتسبب في اضطرابات بالجهاز التناسلي والوظائف الحيوية المرتبطة بالإنجاب. لكن تبقى الأنماط غير الصحية، كتدخين التبغ، وتعاطي المخدرات مثل الماريجوانا، وانتشار السمنة، من المؤثرات الإضافية التي تسهم، كلٌّ بدرجته، في تآكل هرمون التستوستيرون وتراجع الخصوبة الذكرية لدى المجتمعات الحديثة.
وما يجدر بالذكر أن مستوى الخصوبة العالمي شهد انخفاضًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة، إذ تراجع متوسط عدد الولادات للمرأة الواحدة عالميًا من 5.06 ولادات في عام 1964 إلى 2.4 فقط في 2018. اليوم، أصبح نحو نصف بلدان العالم يسجل معدلات خصوبة تحت عتبة "استبدال السكان" التي تبلغ 2.1. صحيح أن تغيّر أساليب الحياة، وتوفر وسائل منع الحمل، وارتفاع تكاليف تربية الأطفال يؤثرون على قرارات الإنجاب، لكن مؤشرات أخرى لفتت انتباه الباحثين مثل تصاعد معدلات الإجهاض، وانتشار التشوهات الجنسية لدى الذكور، والتبكير في سن البلوغ للإناث، وكلها جوانب توحي بوجود عناصر بيولوجية خطيرة تؤثر بشكل غير مباشر على مستقبل البشرية.
تداخل هذه الأسباب، بين السلوكيات وأثر البيئة، يكشف بوضوح مدى تشابك أزمة الخصوبة. فالمواد الكيميائية التي تغزو بيوتنا وأطعمتنا وحياتنا اليومية تغيّر ببطء ملامح التطور الجنسي وتؤثر على الهرمونات والأعضاء التناسلية للذكور والإناث. وهذا ما يجعل الخطر يطال كل فرد، فالتهديد ليس فرديًا بل جماعي. وعليه، تدعو سوان في كتابها الجميع لاتخاذ الإجراءات الوقائية المتعلقة بالحماية من السموم الكيميائية، والحرص على أنماط حياة صحية، لضمان الحفاظ على الخصوبة، واستدامة الجنس البشري وحماية كوكبنا. الشعور بالقلق في محله، فالتحدي بات يتجاوز خياراتنا اليومية، ليمس مصيرنا الجماعي على هذه الأرض.
في ظل هذا التشخيص العلمي، يبدو جليًا أن الحفاظ على التوازن البيئي وصحة الإنسان أصبحا هدفين متداخلين. لم تعد أزمة الخصوبة شأنًا طبّيًا منعزلًا، بل قضية ترتبط بوجودنا وتفرض علينا مراجعة عميقة لأنماط الحياة الحديثة والعادات الاستهلاكية. لن يكون التصدي للتلوث الكيميائي وتبنّي خيارات صحية مهمة فردية فقط، بل أصبحت مسؤولية مجتمعية لا تقبل التأجيل إذا أردنا مستقبلاً أكثر توازنًا وأمانًا لنا ولأبنائنا.